للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محترم لا تجوز سرقته ولا ادعاؤه بباطل ولا الحلف عليه، ولكن هل نقول: إن من اقتطع مال معاهد بيمينه يستحق هذا العقاب المذكور في الحديثين، أو نقول: إنه لا شك أنه يعاقب ويأثم حيث اعتدى على حق معصوم لكن لا يستحق هذه العقوبة؟ فيها خلاف، بعضهم يقول بالثاني؛ أي: يقول: إن هذا الوعيد الخاص فيمن اقتطع ذلك من مسلم، وأما من اقتطعه من معاهد فلا شك أنه آثم ولكنه لا يستحق هذا الوعيد، وبعضهم قال: إن هذا قد أغلبي ولا عبرة به، لأن القاعدة الأصولية أن كل قيد أغلبي فإنه ليس له مفهوم.

ثم إنه إذا كان هذا في المسلم فإنه يكون في الذمي؛ لأن الذمي إذا أهين صار فيه إخفار للذمة والعهد، وإخفار الذمة والعهد من صفات المنافقين.

على كل حال: لا يجزم الإنسان بأن هذا الوعيد الذي حصل لمن اقتطع من مال امرئ مسلم يكون كذلك لمال المعاهد والمستأمن والذمي، لكنه يخشى أن يكون كذلك، وقوله "هو بها فاجر" الجملة هنا حالية، حال من فاعل "يقتطع" أو من فاعل "حلف" وهو الأقرب، يعني: من حلف حال كونه فاجرا، والفاجر هو الكاذب، "لقى الله"، يعني: يوم القيامة، "وهو عليه غضبان"، ويحتمل أن يكون اللقاء بعد الموت مباشرة؛ لأن من مات انتقل إلى الآخرة، لكن الظاهر الأول، وقوله "وهو عليه"، "هو" الضمير يعود على الله، "عليه" الضمير يعود على المقتطع، "غضبان" الوصف هذا لله عز وجل.

في هذا الحديث فوائد: منها: أن اليمين قد يكون سببا للاستحقاق ولو ظاهرا، وله صورتان كما سبق.

ثانيا: وجوب احترام أموال المسلمين وعدم العدوان عليها.

ثالثا: أن الحالف قد يكون صادقا، وقد يكون كاذبا، بدليل -هو فيها فاجر- ولو لم يكن ينقسم ما احتيج إلى القيد.

ويستفاد من الحديث: إثبات ملاقاة الله عز وجل، وقد جاء في القرآن في عدة مواضع: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} [الانشقاق: ٦] {واتقوا الله واعلموا أنكم ملقوه وبشر المؤمنين} [البقرة: ٢٢٣]. هذا فيه أمر وخبر وبشارة {واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه} لكن لا تخافوا من هذه الملاقاة إن كنتم مؤمنين، ولهذا قال: {وبشر المؤمنين} أما من لم يكن مؤمنا - والعياذ بالله - فسيلقى جزاءه الأوفى.

مسألة: وهل يستفاد من الملاقاة رؤية الله؟ الجواب: لا، لا يلزم من الملاقاة الرؤية فيما سيظهر، وإن كان بعض العلماء قال: إنه يلزم من الملاقاة الرؤية؛ لأن من لم يرك ولو خاطبك فإنه لم يلاقك، ولهذا تجدون المهاتفة في الهاتف لا تعد ملاقاة مع أنه يخاطبك، فإن كان في

<<  <  ج: ص:  >  >>