وعلى هذا فنقول خرج هذا مخرج الوعيد، وما خرج مخرج الوعيد فلا بأس من أن يؤتى به على سبيل الإطلاق تنفيذا للنفس عنه؛ لأن النفس إذا سمعت هذه الكلمة نفرت وهربت من أن تعمل هذا، ونظير ذلك فيما يجري بيننا، ومنه: أن تقول الأم لودها: لئن فعلت كذا وكذا لأفعلن بك كذا وكذا من العقوبة، وهي في نفس الوقت لن تفعل، لكن باب الترهيب شيء آخر، قد يقول: هذا فيمن استحل ذلك وإن لم يفعل استحق هذا الوعيد، ولهذا لما ذكر للإمام أحمد رحمه الله في آية وعيد قاتل المؤمن عمدا أنها فيمن استحل ذلك ضحك تعجبا قال كيف هذا إنه إذا استحل قتل المؤمن عمدا فهو كافر سواء قتل أم لم يقتل.
ونظير ذلك من قال: إن تارك الصلاة يكفر إذا تركها جاحدا لوجوبها، فهذا جواب مضحك؛ لأنه إذا جحد وجوبها فهو كافر ولو صلى فريضة وتطوعا، إذن لا يصح هذا التخريج، تخريج هذا الحديث على من استحل ذلك، لماذا لا يصح؟ لأن مستحله يستحق هذه العقوبة سواء فعل أم لم يفعل.
جواب ثالث: أن هذا سبب يعني أن من اقتطع مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر سبب لذلك؛ أي: لكونه تحرم عليه الجنة وتجب له النار، والأسباب لا تنفذ إلا بانتفاء الموانع، والمانع هنا هو الإيمان المانع من كونه تحرم الجنة عليه وتجب له النار، فيكون هذا كقولنا في الإرث مثلا القرابة سبب للإرث، الأب يرث من الابن والابن يرث من أبيه، لكن إذا وجد مانع امتنع الإرث لا لفوات سببه ولكن لوجود مانعه هذا، والأول هو أحسن الأجوبة أن يقال: لإنه خرج مخرج الوعيد من أجل قوة النفور عنه، أو يقال: هذا بيان لكون هذا الشيء سببا، والسبب قد يختلف لوجود مانع.
١٣٥٣ - وعن الأشعث بن قيس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من حلف على يمين، يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر؛ لقي الله وهو عليه غضبان». متفق عليه.
"على" هنا بمعنى الباء، ويعني: من حلف بيمين، فهذا كحديث الذي قبله فيه الوعيد على من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم، لكن الحديث الأول أعم؛ لأنه قال:"اقتطع حق امرئ"، والحق أعم من المال، إذ أن الحقوق قد تكون غير مالية، وقوله "امرئ مسلم" نقول فيها كما سبق بأن هذا القيد بناء على الأغلب، وإلا فكل مال معصوم، ولو لم يكن مال مسلم، فإنه يحرم أن يحلف الإنسان على اقتطاعه؛ لأنه مال محترم، وعلى هذا فمال المعاهد