للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرمة الأولى: حرمة الرب عز وجل حيث حلف به كاذبا، والحرمة الثانية حرمة صاحب الحق، ومن أجل ذلك صار وعيده هذا الوعيد الشديد، "وحرم عليه الجنة" أي: حرم عليه دخولها، "فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا؟ "، أي: وإن كان الحق الذي اقتطعه شيئا يسيرا، قال: و"وإن كان قضيبا من أراك"، الأراك: هو شجر السواك، وقوله: "قضيبا" يعني: ما يقضب باليد، وظاهره: ولو كان عودا واحدا، وإنما قال الرسول: «وإن كان قضيبا من أراك" مبالغة في القلة وعدم المبالاة به؛ لأن أكثر الناس لا يبالون بالسواك وما أشبه ذلك، فالمعنى: اقتطع مال امرئ مسلم ولو كان يسيرا ... فهذا جزاؤه.

في هذا الحديث فوائد: منها: ما ساقه المؤلف من أجله، وهو أن الإنسان قد يستحق بدعواه شيئا بيمينه، ولو صورتان: دعوى ما ليس له، أو إنكار ما يجب عليه.

ومن فوائد الحديث: أن هذا النوع من الدعوى واليمين من كبائر الذنوب، وجه الدلالة: أنه رتبت عليه هذه العقوبة العظيمة، وكل ذنب رتبت عليه عقوبة دينية أو دنيوية، فإنه من كبائر الذنوب، وتعظم هذه الكبيرة بحسب ما فيها أو بحسب ما رتب عليها من العقوبة، فكل ما كانت عقوبته أعظم كان أكبر وأكبر.

ومن فوائد الحديث: أن فاعل الكبيرة لا يدخل الجنة بل هو مخلد في النار لقوله: "أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة"، وبهذا استدلت المعتزلة والخوارج -فقد استدلوا بهذا الحديث وما أشبهه من النصوص -على أن فاعل الكبيرة مخلد في النار، أخذا بظاهر النص وإعراضا عن بقية النصوص، وهكذا كل إنسان مبطل يأخذ من النصوص بجانب ويدع الجانب الآخر فينظر إلى النصوص بأعين عوراء لا يرى إلا من جانب واحد.

على كل حال: لو سألنا سائل: ما ظاهر هذا الحديث، أيوافق ما استدل به المعتزلة والخوارج أم لا؟ لقلنا: يوافق، كلام الرسول صلى الله عليه وسلم محكم وهو خبر لا يحتمل الكذب، "فأوجب الله له النار وحرم عليه الجنة"، ولكن يجب أن نعلم أن الشريعة كلها دليل واحد لابد أن يقيد بعضه بعضا، وأن يخصص بعضه بعضا لا نأخذ بجانب وندع الجانب الآخر، فنكون ممن قال الله تعالى عنهم: {ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض} [النساء: ١٥٠]. الأدلة الشرعية كلها كتلة واحدة فيجب أن يقيد مطلقها وأن يخصص عامها بمخصصها؛ لأنها دليل واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>