الصلوات قاموا كسالي} [النساء: ١٤٢]، لكن أثقل الصلوات صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لماذا؟ لأن هاتين الصلاتين لا يتبين فيهما الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كانت المساجد والبيوت ليس فيها مصابيح، ليس فيها كهرباء حتى يعرف الناس بعضهم بعضًا فيأتون وهم لا يعرفون في صلاة العشاء فتثقل عليهم لا تخف في نفوسهم، وكذلك أيضًا في صلاة الفجر حيث إن الناس ليس عندهم أنوار فإذا ذهبوا صارت أثقل عليهم، وقيل: إن ثقلهما علي المنافقين أكثر من غيرهما؛ لأنها أوقات نوم، ويحتمل هذا وهذا.
علي كل حال: صلاة العشاء وصلاة الفجر ثقيلة علي المنافقين أكثر من غيرهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا" يعني: ولو كانوا يحبون علي ركبهم، "لو يعلمون ما فيهما لأتوهما" ما معني "ما فيهما": هل المراد: ما فيهما من الأجر، أو المراد: ما فيهما من الوزر عند الترك، أو الأمران؟ الأمران أولي، يعني: ما فيهما من الأجر عند الفعل، وما فيهما من الوزر عند الترك لو يعلمون ذلك لأتوهما ولو حبوا ولما تأخروا عنها، هم إذا سمعوا هذا الحديث علموا، لكن انتفاء العلم عنهم لعدم انتفاعهم به، والشيء قد ينفي لعدم الانتفاع به؛ {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون (٢١)} [الأنفال: ٢١]. لا ينتفعون بهذا السماع فهم لو علموا ما فيهما لكن هذا العلم لا ينفعهم فيكون كالجهل تمامًا.
يستفاد من هذا الحديث فوائد عديدة أولًا: وجوب الحضور إلي المسجد في صلاة العشاء وفي صلاة الفجر وغيرهما من باب أولى.
ثانيًا: أن الصلوات كلها ثقيلة علي المنافقين، ولكن أثقلها العشاء والفجر.
الفائدة الثالثة: أن المصلي لا ينفعه عمله ولو كان صالحًا في ظاهره، ما الدليل؟ الدليل ثقل الصلاة عليهما ولو نفعتهما لكانت خفيفة وسهلة عليهما كما قال الله تعالي: {وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين (٤٥)} [البقرة: ٤٥].
الفائدة الرابعة: أن من أحس بنفسه بثقل الصلاة عليه فليعلم أن في قلبه نفاقًا وأنه مشابه للمنافقين، في هذه الحال فعليه أن يحاسب نفسه وأن يفكر في أمره.
ومن فوائده أيضًا: أن المؤمن الخالص تكون الصلاة عليه خفيفة، لأنه يحبها، ولأنه يؤمن بفائدة الوقوف بين يدي ربه عز وجل يناجيه بكلامه ويتقرب إليه بأفعاله وأقواله ويسأله حاجاته، ولهذا كانت الصلاة قرة عين الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لماذا؟ لأنه أكمل الناس إيمانًا وأعلمهم بالله عز وجل، وهي راحة القلب لمن كان مؤمنًا حقًا، أما المنافق فإنها ثقيلة عليه- والعياذ بالله-.