ما يهلكها كما يقال: ألقى بالحبل، أي: وضعه أمام وجهه، فالمعني: لا تلقوا بها أمام الهلاك وقوله: {بأيديكم} المراد بها: النفس، لكن يعبر بالأيدي عن النفس كثيرًا في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى:{فيما كسبت أيديكم}[الشورى: ٣٠] أي: بما كسبتم، والتهلكة تفعله من الهلاك، أي: بما يكون به الهلاك.
"قال (رضي الله عنه) ردًا على من أنكر على من حمل على صف الروم حتى دخل فيهم، لأنهم كانوا في غزوة فحمل رجل من المسلمين على صف الروم وهم أمة حتى دخل فيهم وقاتلهم فقال الناس ألقى بيده إلى التهلكة صاحوا: ألقى بيده إلى التهلكة، فبين أبو أيوب أن هذا ليس من التهلكة وأنها نزلت فيهم حين كفوا أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله وقالوا: ننفق الأموال في غير هذا فأنزل الله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}[البقرة: ١٩٥] فبين (رضي الله عنه) أنه ليس الحمل على صف العدو من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة وقوله: "حتى دخل فيهم" يعني: دخل فيهم وقاتلهم.
في هذا الحديث فوائد: منها: أن القرآن منزل لقوله: "أنزلت فينا هذه الآية"، قال العلماء: ويتفرع على هذه الفائدة فرعان عظيمان الفرع الأول علو الله (عز وجل)، لأن النزول لا يكون إلا من أعلى، والثاني: أن القرآن كلام الله، لأنه إذا نزل من عنده وهو صفة من الصفات الكلام صفة المتكلم ليس عينًا قائمة بنفسها فهو إذا أضيف إلى الله لزم أن يكون كلام الله وهو كذلك قال الله - تبارك وتعالى-: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}[التوبة: ٦].
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يذكر نفسه بما قد يلام عليه بيانًا للحق وعليه، لأن أبا أيوب الأنصاري بني ما نزلت فيه هذه الآية وهو أنهم كفوا أيديهم عن الإنفاق وقالوا لا نضيع أموالنا في القتال فلماذا لا نصرفها إلى أشياء أخرى ولا شك أن مثل هذا يلام عليه العبد لكنه (رضي الله عنه) ذكره بيانًا للحق، والله تعالى يقول:{يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}[النساء: ١٣٥].
ومن فوائد الحديث: جواز الحمل على صف الكفار ولو واحدًا، وجهه: أن أبا أيوب أقر هذا وأنكر على من أنكره.
فإن قال قائل: هل يجوز الحمل ولو غلب على ظنه أنه يقتل؟
الجواب: نعم، أما إذا تيقن أنه يتقل فإنه لا يجوز، لأنه يكون أعان على قتل نفسه لكن مع احتمال النجاة ولو واحدًا في المائة يجوز.
ومن فوائد الحديث: بيان شجاعة جيوش المسلمين المقاتلة لأعدائهم لأن هذا الرجل - وهو فرد حمل- على صف الروم وهم أمة عظيمة.