في هذا الحديث فوائد: منها: أن وقوع مثل هذه المنكرات لا يستغرب؛ لأنه وقع في عهد الصحابة وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم السرقة وجدت الزنا وجد، شرب الخمر وجد في خير القرون وأفضل العهود في قرن الصحابة وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام طري النفوس مقبلة عليه شغوفة به متمسكة به، ومع ذلك يقع من أفراد الناس مثل هذا، فلا تستغرب إذا وقع في عصرك وأنت في القرن الخامس عشر مثل هذه الأشياء مع بعد الفرق بين ذاك الزمن وهذا الزمن، وبين أولئك الناس وهؤلاء الناس، وبين الكثرة والقلة، كان الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مائة وأربع وعشرون ألفًا، الآن كم عدد المسلمين؟ مليار، فإذا قدر أنه زنى منهم ألف الألف نسبته إلى المليار قليلة جدًّا فعلى هذا نقول: لا يلحقك همٌّ أو غم إذا رأيت شيئًا من المنكرات في عهدك، ولكن هذا لا يمنعك من أن تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر.
ومن فوائد الحديث: يطلب إخفاء الفاعل إذا لم تلاع الحاجة إلى بياته وتعيينه من قوله: "شرب رجل" ولم يعينه.
ومن فوائد الحديث: نسبة الشيء إلى الآمر به لقوله: "فجلده نحو أربعين".
ومن فوائد هذا الحديث: أن عقوبة شارب الخمر ليست بحد لقوله: "نحو أربعين"، ولأن عمر زادها والحد لا يمكن أن يزاد، ولهذا لو كثر الزنا في غير المحصنين فهل لنا أن نزيد على مائة جلدة؟ لا، ولو كانت عقوبة شارب الخمر حدًّا ما زاد عمر عليها.
الوجه الثالث: أن عبد الرحمن بن عوف قال: أخف الحدود ثمانون، قالها بمحضر الصحابة ولم ينكر عليه أحد، ولو كانت عقوبة شارب الخمر حلًا لكان أخف الحدود أربعين، وهذا القول هو الذي تبين لي من السُّنة أن عقوبة شارب الخمر ليست حدًّا، ولكن يمكن أن نقول: إنها حد أدنى، بمعني: ألَّا ننقص عن أربعين، أما الزيادة على أربعين إلى ثمانين أو عن ثمانين إلى مائة وعشرين فهذا لا بأس به، إذا كان الناس لا يرتدعون بدونه.
ومن فوائد ألحديث: أنه في عهد أبي بكر رضي الله عنه كان الناس قريبين من عهد النبوة والمعاصي فيهم قليلة وتوسع الفتوحات كان قليلًا؛ لأن عهد أبي بكر سنتين وخمسة أشهر تقريبًا.
ومن فوائد الحديث: مشروعية الاستشارة حتى وإن كان الإنسان ذا عقل ومشورة.
شاور سواك إذا نابتك نائبةٌ ... يومًا وإن كنت من أهل المشورات
المرع قليل بنفسه كثير بإخوانه، وإذا كان عمر رضي الله عنه - هو من هو - يستشير الصحابة فمن دونه - من باب أولى، ولكن هل نستشير في كل شيء؛ بمعنى: إذا عرض للحاكم مسألة يجمع الناس