درع وهي: ألبسة الحرب، وهي عبارة عن قميص منسوج من حلقات الحديد يلبسه المقاتل ليتقي بذلك السهام، وأما الأعتاد فكل ما يعتد به في الحرب من سيف ورمح وقوس وغير ذلك، "احتبسها في سبيل الله" أي: جعلها حبيسة في سبيل الله للمجاهدين، وهذا يحتمل وجهين:
الأول: أنه -رضي الله عنه- جعل الزكاة في هذا الوجه أي: في سبيل الله فلم يمنعها بخلاً أو شخاً أو استكباراً، وإنما أداها لكن جعلها في سبيل الله.
والوجه الثاني: أنه -رضي الله عنه- وقف هذه الأشياء في سبيل الله على المجاهدين، وكأنه يقول صلى الله عليه وسلم: إن رجلاً تبرع بماله لا يمكن أن يمنع الواجب لأنه ليس من المعقول ولا من الشرع أن تبذل التطوع وتمنع الواجب؟ ! لاسيما مثل الصحابة -رضي الله عنهم- الذين هم أشد الناس تمسكا بدين الله، وأعقل الناس بلا شك وحينئذ يكون المعنى: أن من احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله تطوعاً فلا يمكن أن يمنع زكاة ماله الواجبة، وأياً كان الاحتمال فإن هذا بلا شك دفاع عن خالد -رضي الله عن-.
يستفاد من الحديث: مشروعية بعث السعادة لقبض الزكاة من أهلها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هل هذا على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ فيه قولان لأهل العلم، منهم من قال: يجب أن يبعث العمال لقبض الزكاة؛ لأن الناس ليسوا كلهم على حد سواء، ومنهم من قال: إن هذا على سبيل الاستحباب، وهو الصحيح إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك مثل أن يكون طائفة ممتنعة عن أداء الزكاة فحينئذ يجب أن يبعث إليهم من يقبضها.
ومن فوائد الحديث: ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بعمر بن الخطاب، فينبني على هذا حصول منقبة له للأمانة والقوة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتمن إلا من تحقق فيه شرطا الولاية، وهما القوة والأمانة {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين}[القصص: ٢٦]. {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}[النمل: ٣٩]. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يولي على هذا الأمر إلا من علم أن فيه القوة والأمانة، وهما شرطا الولاية، وفيه إطلاق الصدقة على الزكاة كما في القرآن:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}[التوبة: ٦٠]. وفيه الدفاع عمن ليس مستحقا للدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دافع عن خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وهذا شيء واجب يعني: يجب على المسلم أن يذب عن عرض أخيه المسلم فإذا سمع أحداً يتكلم فيه بما لا يستحق وجب عليه أن يدافع وأن يبين الحق.
ومن فوائد الحديث: جواز وقف الأعيان غير الثابتة؛ لقوله:"احتبس أدراعه وأعتاده" بخلاف الأراضي والعقار فهي ثابتة لكن هذا إنما يتم لو كان الحديث لا يحتمل إلا هذا الوجه أما مادام يحتمل احتمالاً آخر، وهو أن المراد بذلك صرف هذه الأشياء في سبيل الله على أنها