للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: جواز إطعام الضيف من الوقف إذا اشترط استحقاقه؛ لقوله "والضيف" ولا فرق بين أن يكون الضيف غنياً أم فقيراً.

ومن فوائده: جواز تولية المرأة على الوقف؛ لأن الثابت أن عمر جعل وليه على هذا الوقف ابنته حفصة -رضي الله عنها-.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للواقف أن يبين الشروط حتى لا يكون التباس؛ لقوله: "غير متمول" إذ إن قوله: "يطعم صديقاً" لو جاءت على إطلاقها لأمكن أن يعطي حتى من عين الوقف لكن لما قال: "غير متمول" دفع هذا الاحتمال.

٨٨٧ - وعن أبي هريرة -رضي الله عن- قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة» الحديث، وفيه «وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله» متفق عليه.

"بعثه" يعني: أرسله وعلى الصدقة يعني: ولياً على الصدقة هنا: الزكاة من أجل أن يقبضها، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يبعث على الزكاة من يقبضها من أهلها فبعث عمر ذات سنة من السنوات على الصدقة فلما رجع قيل إنه منع ثلاثة: العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن جميل وخالد بن الوليد، أما عبد الله بن جميل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه: «ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأعناه الله»، وهذا ذم عظيم لهذا الرجل، لكنه ذم أتى بصيغة تشبه المدح، وهذا ما يعرف عند البلاغين بالذم الذي يكون بما يشبه المدح، وهو أشد من الذم المطلق، فهو كقوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: ٨]. وهل كون الإنسان فقيراً فيغنيه الله، هل هذا عذر له في منع الصدقة، أو أبعد له من العذر؟ الثاني، ولهذا قال: ما ينقم يعني: ما ينكر من نعمة الله عليه إلا هذا، فهو تأكيد الذم بما يشبه المدح، وأما العباس، فقال: «هي علي ومثلها»، وقد سبق لنا في زمن غير طويل أن الرسول صلى الله عليه وسلم تحمل صدقة العباس مضاعفة؛ لأن العباس كان من قرابته، وذكرنا عن عمر في هذا سنة أنه إذا نهى عن شيء جمع أهله، وقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، ولا أعلم أحداً منكم فعل ذلك إلا أضعفت عليه العقوبة، وأما خالد قال: "فأما خالد فقد أحتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله"، لكن المؤلف لم يأت إلا بالشاهد، وإلا فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً»، ولم يقل: تظلمونه تفخيماً له وإعلاء له، فالإظهار في مكان الإضمار من باب التفخيم والتعظيم في المدح والثناء، يعني: تظلمون خالداً ذلك الرجل الذي ليس أهلاً لأن يظلم؛ لأنه حبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، والأدراع: جمع

<<  <  ج: ص:  >  >>