للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: أن الموقوف لا يوهب كيف ذلك؟ يعني: أن الموقوف عليه لو أراد أن يهب الوقف لشخص فإنه لا يملك هذا؛ لأن الهبة: التبرع بالعين ومنافعها والوقف لا يمكن أن يتبرع الإنسان بعينه؛ لأن الهبة تنقل الملك من الوقفية إلى الملك المطلق الذي غير موقوف، وهذا لا يجوز، وبناء على ذلك لو كان عند الإنسان كتاب موقوف وأراد أن يهبه لصديق له نقول: هذا حرام لا يجوز، وإذا استغنى عنه وقال: أنا أعطيه صديقي فهل له أن يستغنى عنه أو لا؟ يتنازل عن حقه له ولهذا نقول: ليست هبة؛ لأنها لو كانت هبة لجاز للثاني أن يبيعه ولورث عند الثاني ولهذا نقول.

من فوائد الحديث: أن الوقف لا يصح إلا من مالك، فلو أن شخصاً قال: هذا البيت وقف في سبيل الله ثم ذهب واشتراه من صاحبه فهل يكون وقفاً أو لا؟ لا لماذا؟ لأنه وقفه قبل ملكه والحديث يقول «أصاب عمر أرضاً بخيبر» أصابها يعني: ملكها فلا وقف إلا بعد الملك، لو قال: إن ملكت هذا البيت فهو وقف فملكه هل يكون وقفاً؟ نعم يكون وقفاً لأنه يجوز شراء الأرض للتقرب بها إلى الله فإذا علق التقرب بها إلى الله على ملكها كان ذلك جائزاً، كما لو علق عتق العبد شرائه فقال: إن اشتريت هذا العبد فهو حر فهذا يصح عند الإمام أحمد -رحمه الله- قال: لأن العتق قربة، وبناء عليه نقول: إن الوقف قربة لكن أكثر أهل العلم يقولون: لا يصح حتى في العتق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عتق لابن آدم فيما لا يملك، وهو حين التعليق غير مالك له، وإذا لم يصح في العتق مع قوته ونفوذه وسريانه لم يصح أيضا في الوقف.

إذن فالعلماء مختلفون على قولين فمن صحح تعليق العبد بالملك فإنه يصحح تعليق الوقف بالملك ومن لا فلا، والتصحيح أنه يصح إذا علقه لكن بشرط أن يكون هذا متقارباً يعني: أنه يقول هذا ويشتريه فوراً، أما لو طال الوقت فإن هذا قد يكون فيه غرر على الإنسان، ربما يكون الإنسان عنده رغبة في أن يشتري هذا البيت فيوقفه ثم يشتري بيتا آخر فيوقفه فتتغير الحال، ففي هذه الحال له أن يبطل هذا التعليق وإذا أبطله واشترى البيت لم يكن وقفاً.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز لإنسان أن يتحدث عن أبيه باسمه فيقول مثلاً: قال فلان، يعني: أباه، ولا يقول: قال أبي، لقول عبد الله: "أصاب عمر"، لكن هذه الفائدة مبنية على أن قول الصحابي حجة إذا لم يخالفه دليل أو صحابي آخر، أما إذا قلنا: بأن قول الصحابي ليس بحجة وأن فيما قاله الله ورسوله أو أجمع عليه الناس فإنه لا تستفاد هذه الفائدة من هذا الحديث، ولكن هل للإنسان أن ينادي أباه باسمه في الغيبة؟ واضح، أما مناديه باسمه فيمكن أن نرجع فيه إلى العرف، فيقال: إذا كان في ذلك غضاضة وإهانة للأب فإنه لا يجوز، أما إذا لم يكن فلا بأس به أن يناديه باسمه فيقول: يافلان.

<<  <  ج: ص:  >  >>