قلت بعشرة، قال: لا زد ... إنه رجل عفريت! فقال: زد، فقلت بخمس عشرة، فقال: زد فقلت: بعشرين فيكون ذلك غبناً وحراماً، لكن إذا قال: كم تدفع في الكتاب؟ فقلت بما يساوي في المكتبات فذهبنا وسألنا في المكتبات ولاسيما العمد فهنا لا شك أنه أقل خطراً في مسألة الغبن؛ ولهذا كان شيخ الإسلام-رحمه الله- يرى أنه يجوز أن يبيع الإنسان بالعرف، أي: أن يبيع كما يبيع الناس، وذكر لهذا أصولاً كثيرة، أليس مهر المثل ثابتاً شرعاً؟ ومهر المثل معناه: الرجوع إلى ما يتعارف الناس في مهر هذه المرأة.
على كل حال: نحن نرى أنه يجوز أن توكل أجرة الوقف إلى العرف.
من فوائد الحديث: جواز إطعام الصديق، إذا شرطه الواقف فقال: لا جناح على من تولى هذا الوقف أن يطعم صديقه، وهنا يوجد إبهام لأن الأصدقاء قد يكثرون قد يكون هذا الرجل محبوباً عند الناس وكل الناس أصدقاء له، وقد يكون رجلاً غير محبوب ولا يجد صديقاً فنقول: هذا لا يضركما أن الضيف قد يكثر وقد يقل هذا لا يضر.
ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى حق الضيق على أهل البلد، ووجهه: أن عمر جعل للضيف في هذا الوقف حقاً.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط في الموقف أن يتبين حدوده إذا كان معلوماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعمر: هل حددت؟ وكم متراً هو؟ فإذا كان الشيء معروفاً فلا حاجة إلى بيان مقداره بالأمتار؛ ولهذا كانت مكاتب الأولين يقول: باع فلان على فلان بيته في الحي الفلاني شهرته تغني عن تحديده ويصدق القضاة على هذا ويعتبرونه بيعاً صحيحاً لأنه مشهور، لكن لما تغير الناس وكثر الباطل صار القضاة اليوم يحافظون محافظة تامة على ذكر الحدود والمقدار بالأمتار، ولاشك أن هذا أضبط وأقطع للنزاع؛ لأن هذه البيوت لو فرضنا أنها تهدمت لاشتبك الناس بعضهم مع بعض كل واحد يقول: أنت دخلت على أرضي؛ فإذا كانت محددة بالجيرة والأمتار صارت منحصرة وصار هذا أسلم للنزاع فعمل القضاة اليوم لاشك أنه أضبط وأبلغ وأقطع للنزاع، فلا حرج من العمل به، ولا يقال: إن هذا من باب التنطع؛ لأننا نقول: لما أحدث الناس أحدث الله عليهم كما تكونون يولى عليكم.