"فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منها" أي: من هذه الجفنة بعد اغتسال الزوجة.
فقالت:"إني كنت جنبا" يعني: اغتسلت منها وأنا جنب، فقال:"إن الماء لا يجنب" صلوات الله سلامه عليه، يعني: كأنه يقول: وإن كنت جنبا فالماء لا يتأثر، الماء لا يجنب، وهذا كما قالت عائشة لما طلب منها الخمرة وهي في المسجد قالت: يا رسول الله، إني كنت حائضا قال:"إن حيضتك ليست بيدك"، يعني: معناه أن الحيض لا يؤثر في مثل هذا، كذلك أيضا الجنابة لا تؤثر في مثل هذا الماء.
يستفاد من هذا الحديث ما سبق: من أن الماء لا يتأثر، ولا ينتقل من الطهورية إلى الطهارة إذا اغتسل منه الجنب، ومن المعلوم أن الجنب سوف يغمس يده في الإناء، لكن كما علمتم من قبل أنه إذا استيقظ الإنسان من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا.
ومن فوائد هذا الحديث: الاقتصار على ذكر العلة دون الفعل لأنها تقول: "إني كنت جنبا" وتقدير الكلام: إني اغتسلت به وأنا جنب، لكنه هكذا في الوصف الذي قد يكون مؤثرا وهو الجناية وهذا قد يشعر بأنهم لا يرون بالخلو به شيئا وإنما العلة هي الجنابة.
وفيه أيضا - في الحقيقة- فوائد؛ فمنها: ما سبق ذكره من جواز اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة.
ومنها: أن اغتسال الجنب من الماء القليل لا ينقله عن الطهورية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جاء يغتسل منه ليتطهر به فلا ينقله من الطهورية.
والمعروف أن الجنب إذا غمس يده ليغتسل وهو ينوي رفع الجنابة أنه ينتقل الماء من الطهورية إلى أن يكون طاهرا.
سبق لكم قبل قليل لأن الذين قالوا: إن المرأة إذا خلت بالماء لتطهر به فإنه لا رفع حدث الرجل، وقلنا لكم: إنهم قالوا إذا لم يجد غيره استعمله ثم تيمم، لكن نسيت أن أعلق على هذه الجملة: لا يمكن أن يجمع بين العبادة مرتين أبدا على رأيهم - رحمهم الله- يلزمه أن يتطهر مرتين، مرة بالماء ومرة بالتراب، وهذا لا نظير له، ولم يوجب الله عبادة مرتين أبدا، الإنسان إذا فعل العبادة حسب ما أمر فإنه لا يجب عليه إعادتها لأنه امتثل أمر الله.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول - عليه الصلاة والسلام- حيث إنه بين الحكم بيان العلة حيث قال:"إن الماء لا يجنب". ومن المعلوم أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- وغير الرسول يعلم أن الماء لا يجنب حقيقة، لكن أراد أن يقابلها بمثل لفظها؛ ففيه دليل أيضا على