للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: حرص الشرع على قطع المنازعات والبعد عنها، من أين يؤخذ؟ من تقديره العوض بصاع من تمر، ونحن إذا تأملنا نصوص الكتاب والسنة وجدنا أن الشرع ينهى عن كل ما يحدث العداوة والبغضاء بين الناس؛ لأنه يريد من الأمة الإسلامية أن تكون أمة متآلفة متآخية كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، والبعد عما يوجب التنافر والبغضاء كما هو واجب على سائر المسلمين، فهو واجب على طلبة العلم بالذات أكثر من غيرهم؛ لأن طلبة العلم هم الذين يقتدى بهم وهم الذين يشار إليهم بالسوء أو بالحسنى، إن أساءوا صاروا مشمتة للناس وصارت سيئاتهم في عيون الناس أكبر من سيئات غيرهم، وإن أحسنوا صاروا قدوة للناس في الخير والعمل الصالح، وأحبهم الناس، ويؤسفنا كثيرًا أن نجد العداوة والبغضاء والخصومات والجدال والتعصب بالباطل بين كثير من طلبة العلم عند مسائل شرعية ينبغي أن تكون محل اجتماع اتفاق ووفاق، لا أن تكون محل عداوة وبغضاء وسب وشتم وتنفير، فإن هذا خلاف الشرع وخلاف ما أمر الله به وما أخبر اله به عن هذه الأمة: } وإن هذه أمتكم أمة وحدة {[المؤمنون: ٥٢]. فإذا كان الشارع ينهى عن بعض المعاملات المؤداة إلى النزاع والعداوة والبغضاء فكيف بالمسائل الشرعية التي تكون هي السبب في العداوة والبغضاء هذا شيء يؤسف له، والواجب على كل مسلم وعلى طلبة العلم بالأخص أن يسعوا إلى كل ما فيه إصلاح القلوب وحصول المصلحة، أنا لست أقول: دعوا الناس يقولون فيخطئون أو يصيبون، لا، لكن يبين للناس بمناقشة هادئة هادفة، فإذا تبني الحق وجب على كل إنسان اتباعه، وإذا لم يتبين فكل إنسان معذور، والذي يحاسب الخلق هو اله عز وجل؛ لأنه قد يتبين لي ما لم يتبين لك والعكس، فلماذا نجعل مثل هذه المسائل سببًا للعداوة والبغضاء بين طلبة العلم حتى إن كل طائفة منهم حزب مستقل كأنهم ليسوا مسلمين والواجب خلاف ذلك، وعلى طلبة العلم أن يكون طالب العلم عند هذا العالم كالطالب عند العالم الآخر، كل منهم يبذل الخير، وكل منهم يريد أن يصل إلى الغاية المنشودة وهي إقامة شريعة الله بين عباد الله.

ومن فوائد الحديث: أن العدد الثلاثي معتبر في كثير من الأشياء، وبه تتبين الأشياء في الغالب في الثلاث، كما إذا استأذنت على رجل ثلاث مرات تبين أنه غير موجود، أو كاره للفتح وإما أنه نائم مستريح، أما الاستئذان الأول فقد لا يسمع، والاستئذان قد يسمع، ولكن لا يدري عن حقيقة الأول، وفي الثالثة الغالب أنه يتبين فإذا كان يريد أن يفتح لك الباب فتح وإلا تركك، وهكذا في مسائل كثيرة تعتبر فيها الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>