للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كونه يأتي بروثة على النبي صلى الله عليه وسلم ليتطهر بها، أن فيها شيئا من الاستخفاف، لكنه رضي الله عنه مجتهد؛ فيستفاد منه: أن المجتهد إذا أخطأ لا يلام على خطئه؛ لأنه مجتهد، وهذه هي قاعدة الشريعة والحمد لله أن الحاكم إذا حكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للرجل الذي تيمم وصلى ثم وجد الماء فتوضأ وأعاد الصلاة جعل له الأجر مرتين مع أنه مخطئ في هذا العمل؛ حيث إن صاحبه الذي لم يعد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبت السنة".

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من عبد الله بن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، ثم قال حين رد الروثة: "ائتني بغيرها"؛ فدل هذا على أنه لابد من ثلاثة أحجار.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الاستجمار مطهر لقوله: "هذا رجس"، والرجس لا يطهر، فدل هذا على أنه لو كان طيبا طاهرا لكان مطهرا، وهذا هو الصواب أن ما يحصل من الاستجمار فهو تطهير، وبناء على ذلك لو أن الإنسان استجمر من بول أو غائط بأحجار أو تراب؛ أو مناديل، ثم عرق أو أصاب ثوبه بلل وصل إلى مقعدته أو إلى ذكره فهل نقول: إن ما أصابه الماء والبلل والعرق ومن هذا المحل يكون نجسا؟ الجواب: لا، وهذا هو القول الراجح المتعين.

ومن العلماء من يقول: إن الاستجمار لا يطهر، وأنه لا يعفى عن أثر الاستجمار إذا تجاوز غير محله، ولكن هذا القول ضعيف، والصواب: أنه مطهر تطهيرا تاما، فهل يقاس على ذلك ما لو أزيلت النجاسة في غير هذا الموضع بحجر حتى لم يبق لها أثر؟ الجواب: نعم؛ وذلك لأن النجاسة عين خبيثة متى أزيلت بأي مزيل سواء كان بحجر أو بغير ذلك فإنها تطهر، لكن بشرط أن تكون الإزالة إزالة تامة.

فإن قال قائل: قياسكم غير هذا المحل عليه فيه نظر؛ لأن هذا المحل يكثر تلوثه بالنجاسة، فإن الإنسان دائما يبول، ودائما يتغوط، وغير هذا المحل لا يكثر فيه التلوث بالنجاسة فلا يمكن القياس، ويدل لعدم إمكان القياس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد: "أريقوا عليه سجلا من ماء". فهذا يدل على أن النجاسة لا تزال إلا بالماء؛ فجوابنا على هذا أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصب عليه ماء من أجل الإسراع في تطهيره؛ لأنه لو بقي

<<  <  ج: ص:  >  >>