"فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء"، الطيَّب يعني: ما يتطيب به الإنسان من دهن أو بخور أو غيره، "وكل شيء"؛ يعني: من محظورات الإحرام ليس كل شيء من الموجود؛ لأن الحل لا يحل كل المحرمات وإنما يحل المحظورات، فقوله:"وكل شيء" يعني: من محظورات الإحرام، ومحظورات الإحرام معروفة، مثل: الطيب، والنساء، والصيد، وحلق شعر الرأس، ولبس السراويل والبرانس والعمائم والخفاف، وللمرأة لبس القفازين، تغطية الرأس، النقاب للمرأة، عقد النكاح، الخطبة، هذه كلها تحل "إلا النساء" يعني بذلك: كل ما يتعلق بالنساء من الجماع والمباشرة والنكاح والخطبة، لكن متى يحل؟ إذا طاف ويسعى فيحل الحل كله وإن لم يرم.
ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا رمى وحلق حلّ من كل شيء إلا النساء، هذا منطوق الحديث، ومفهومه إذا حلق فقط أو رمى فقط فإنه لا يحلّ، أما إذا حلق فقط فإنه لا يحلّ قولًا واحدًا؛ وأما إذا رمى فقط فظاهر الحديث أنه لا يحل وهو الصحيح، وقال بعض العلماء: إنه يحلّ، واستدل بأن الحديث روي على وجه آخر بسند أصح، وهو قوله:"إذا رميتم جمرة العقبة فقد حللتم من كل شيء إلا النساء". واستدلوا أيضًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع التلبية عند رمي جمرة العقبة وهذا يدل على أنه شرع في التحلل وانتهى نسكه لأن التلبية تقال حتى ينتهي النُّسك ولكن القول الراجح ما دلّ عليه هذا الحديث وإن كان ضعيفًا لكنه يعضد بحديث عائشة الثابت في الصحيحين:"كنت أطيَّب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرمه ولحله قبل أن يطوف بالبيت"، فجعلت الطواف مباشرًا للحلّ، وهذا يدل على أن الحلق كان سابقًا للحلّ؛ لأنها جعلت الذي يلي الحلّ هو الطواف، إذن فالحلق سابق على الحلّ، وهذا يدل على أنه لا حلّ إلا بعد الحلق، وهذا أصح لهذا الحديث وللحديث الذي أشرنا إليه في الصحيحين والذهاب إليه أولى؛ لأنه أحوط، وكلما كان أحوط مع اشتباه الأدلة كان سلوكه أولى إن لم نقل أوجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".