للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الحديث فيه سنَّة فعلية وسنة قولية: الفعلية قال: "نحر قبل أن يحلق"، والقولية: "وأمر أصحابه بذلك" بأن ينحروا قبل أن يحلقوا.

وهذا الحديث الذي ذكره المؤلف هنا إنما كان في صلح الحديبية، ووضعه هنا فيه إيهام، لأن من قرأه يظن أن ذلك كان في حجة الوداع والأمر ليس كذلك، وإنما هذا الحديث في صلح الحديبية، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشًا على أن يرجع ذلك العام ويأتي من العام المقبل أمر أصحابه أن ينحروا ثم يحلقوا، نحر هو ثم حلق، وأمر أصحابه بذلك فنحروا ثم حلقوا، وفي هذا يقول الله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محلَّه} [البقرة: ١٩٦]. والآية أيضًا ظاهرة في أنها في سياق الحديبية، لأنه قال: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محلَّه} [البقرة: ١٩٦].

وعلى هذا فنقول: إن الإنسان إذا أحصر في العمرة ومنع من الوصول إلى البيت فإنه يجب عليه أن ينحر الهدي الذي معه ويجب عليه أن يحلق رأسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وأمر به، فإن لم يكن معه هدي وجب عليه شراؤه حتى يذبحه لقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى}. فإن لم يكن معه شيء، -يعني: أنه فقير -فالصحيح أنه لا شيء عليه؛ خلافًا لمن قال من أهل العلم: إنه يجب عليه أن يصوم عشرة أيام قياسًا على هدي التمتع، وذلك لأن الفرق بينهما ظاهر، فإن هدي الإحصار كالفدية عن عدم إتمام النسك، وأما هدي التمتع فهو كالشكر على إتمام النُّسك؛ لأن الإنسان يتم له فيه تمتع بعمرة وحج فبينهما فرق، فلا يمكن أن يقاس أحدهما على الآخر، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا من الصحابة أن يصوم مع أن كثيرًا من الصحابة فقراء ليس معهم هدي ولم يأمرهم بالصوم، إذن نقول: هذا الحديث فيمن أحصر عن إتمام العمرة، فإنه ينحر الهدي إن كان معه ويشتريه إن لم يكن معه، ثم ينحره ثم يحلق امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واقتداء بفعله.

ومن فوائد هذا الحديث: أولًا: جواز التحلل عند الحصر؛ لأن الحلق علامة التحلل، ولكن ما هو الحصر الذي يبيح التحلل هل هو كل حصر، أو الحصر بالعدو خاصة؟ في هذا خلاف بين أهل العلم؛ فمنهم من قال إن المراد به حصر العدو فقط، يعني: إذا حصره عدو ومنعه من الوصول للبيت فإنه يتحلل، واستدل بأن الآية نزلت بسبب حصرهم في الحديبية، واستدل أيضًا بقوله: {فإذا أمنتم فمن تمتَّع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: ١٩٦]. والأمن ضد الخوف، وعلى هذا فقوله: {فإن أحصرتم} وإن كان مطلقًا غير مقيد يقيده السياق ويقيده السبب الذي نزلت به الآية، فإذا أحصر بعدو منعه عن الوصول للبيت فإنه يفعل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكما فعل صلى الله عليه وسلم، أمَّا إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>