أنعامًا- هذا ينفع الأنعام-، وأناسي كثيرًا- هذا ينفع الناس-} [الفرقان: ٤٩]، وإنما دعا الرسول- عليه الصلاة والسلام- الله بذلك؛ لأنه إن لم يكن نافعًا فإن وجوده كعدمه؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"ليست السنة ألا تمطروا- السنة يعني: الجدب- إنما السنة أن تمطروا فلا تنبت الأرض". هذا هو الجدب في الحقيقة وهذا كثيرًا ما يقع، تكثر الأمطار ولكن لا يرى الناس لها أثرًا حتى يعرف الناس أن الأمر كله بيد الله عز وجل، وأن الله إذا لم يجعل البركة في الشيء ما نفع، وأحيانًا تكون الأمطار قليلة، ولكن يحصل خصب كثير، يحكي لنا الناس يقولون: هناك سنة تسمى سنة الدمنة- ما هي الدمنة؟ البعرة، هذه يقولون: كانت سنة خصبة وصار فيها نبات كثير، مع أن الدمنة أسفلها لا يأتيها المطر، المطر على أعلاها فقط، لكن بإذن الله- صار المطر متواجدًا يأتي رشاشًا وهو كثير فنفع الله به نفعًا كثيرًا، هذا مشهور عند العامة، الماء الذي ينزل هذا ماء نافع للأرض وللحيوان وللناس.
يقول:"كان إذا رأى"، تقدم لنا أن "كان" تفيد الاستمرار غالبًا، فإذا كان كذلك سيكون هذا القول غالبًا من الرسول صلى الله عليه وسلم.
٤٩٤ - وعن سعدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء:"اللهم جللنا سحابًا، كثيفًا، قصيفًا، دلوقًا، ضحوكًا، تمطرنا منه رذاذًا، قطقطًا، سجلًا، يا ذا الجلال والإكرام". رواه أبو عوانة في صحيحه.
هذه من الكلمات التي تعتبر من غريب اللغة، اللغة فيها غريب وفيها مشهور، المشهور هي: الكلمات الواضحة المعنى المتداولة كثيرًا، والغريب على اسمه غريب لا يسمع إلا نادرًا قليلًا.
يقول:"اللهم جللنا" يعني: اجعله لنا مثل الجلال، والجلال: ما تغطى به الإبل والدواب ليحميها البرد ومن الحرث، ومنه حديث علي رضي الله عنه:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بلحومها وجلالها، أو بجلودها وجلالها". وهذا يقتضي أن يكون السحاب قريبًأ؛ لأن السحاب كلما قرب كان في الغالب أكثر مطرًا كما هو مشاهد.
ثانيًا يقول:"سحابًا كثيفًا" يعني: متراكمًا؛ لأن السحاب إذا كان متراكمًا صار رفيعًا مثل الجبال ويحجب الشمس، وهل يكون أسود؟ الحقيقة هو أحيانًا يكون كثيفًا وأبيض، وأحيانًا يكون أسود وليس بكثيف، والذين يطيرون في الجو يشاهدون هذا، ونحن نشاهده في أحيانًا سبحان الله العظيم، تكون بعض القطع من السحاب سوداء، وبعضها حمراء، وبعضها بيضاء.