((أقوم أم نساء))، وهذا إذا ذكر مع النساء صار خاصًا بالرجال، أما إذا لم يذكر مع النساء فإنه يكون عامًا إلا بدليل، يعني: عامًا شاملًا، ولهذا مثلًا:{ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}. يشمل النساء، {ولو إلى قومهم مُّنذرين}[الأحقاف: ٢٩]. عام للرجال والنساء من الجنس.
وقوله:((من أمتي)) المراد بقوله: ((من أمتي)) هنا: أمة الإجابة، لا أمة الدعوة، وإنما قلنا بذلك، لأن أمة الدعوة الكافرين يستحلون ما هو أعظم من ذلك، وهو الشرك والكفر، فالمراد بالأمة هنا: أمة الإجابة؛ لأن النبي- عليه الصلاة والسلام- ذكر ذلك على أنه لا ينبغي في حقهم هذا الأمر.
وقوله:((يستحلون))، استحل الشيء بمعنى، جعله حلالًا، والاستحلال هنا نوعان: إما أن يراد به الاستحلال، أي: اعتقاده حلالًا مع تحريم الله له فيحلل ما حرم الله، وهذا كفرٌ ولكنه ليس المراد، وإمَّا أن يراد بالاستحلال: أن يفعله من غير مبالاة كالمستحل له وهذا هو المراد هنا، فمعنى ((يستحلون)) أي: يفعلون هذه الأشياء فعل المستحل لها بلا مبالاة.
قال ((يستحلون الحر)) يعني: الفرج، قال ابن مالك:
وإنَّما تلزم فعل مضمر ... متَّصل أو مفهم ذات حر
و((الحر)) يقول النحويون: أصلها حرح الحاء، فحذفت لام الكلمة اعتباطًا يعني: بدون سبب، وعلى كل حال: فإن ((الحر)) اسم مكون من حرفين، وأدنى ما يكون منه الاسم المعرب ثلاثة أحرف، لا يمكن أن يوجد اسم معرب مكون من أقل من ثلاثة أحرف، ولهذا إذا جاءهم مثل:((يد، وحر)) يقولون: حذفت اللام اعتباطًا أو ما أشبه ذلك، إذن الحر يعني: الفرج، وإذا قلت: إن الحر هو الفرج فإنه لابد أن يكون هناك صفة محذوفة وجوبًا؛ لأنه يجب أن نقدر صفة محذوفة وهو الحرام، ((يستحلون الحر)) أي: الحرام، وأما من استحل الحر الحلال فإنه مأجور لا يلام، وقد نقول: غنه لا حاجة إلى تقدير الصفة؛ لأنها معلومة من قوله:((يستحلون))، فإن هذا يدل على أن المراد به: الحر الحرام.
المهم: أنهم يستحلون الزنا والعياذ بالله، ولا يقولون: إن الزنا حلال، ولو قالوا: عن الزنا حلال كفروا، لكن يفعلونه فعل المستحل غير مبالين به، وهذا قد وجد الآن، فهناك من الناس من يفعلون الزنا- والعياذ بالله- فعل المستحيل بدون مبالاة، حتى إنه يوجد في بعض البلاد التي يقولون: إنها بلاد إسلامية يوجد فيها أسواق وبارات للزنا، بل قيل لي: إنه يوجد بارات للواط، وأنه إذا قدم أول ما السائح يعرضون عليه صورًا للمردان وصورًا للفتيات، ويقولون: اختر هذا أو هذا، وهم ينتسبون للإسلام! فصدق قول الرسول- عليه الصلاة والسلام- أنه سيكون هذا الشيء، ونحن نعلم علم اليقين أن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لابد أن يقع مهما كان الأمر، لأنه- عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى، فالأمور الغيبية لا يتلقاها إلا بالوحي؛ لأنه لا يعلم