دفع مضرة هذه المحبة، يعني: ما تحب الله شيئًا تنتفع من ورائه أو تدفع به ضررًا عنك، والله عز وجل مستغن عن ذلك، فليس في حاجة إلى جلب نفع ولا إلى دفع ضرر، كما قال عن نفسه في الحديث القدسي:((يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني)). وحينئذٍ يجب أن تؤول، هم يقولون: تؤول، ونحن نقول: تحرِّف، إلى ماذا؟ قالوا: إلى إرادة الإنعام والثواب أو إلى الثواب نفسه، ولكنه سبق لنا أن قلنا: إن هذا القول باطل، لأنه يتضمن إنكار دلالة الكتاب والسنة على ما أراد الله ورسوله بهما.
وثانيًا: أن اللازم الذي ذكروه غير لازم في الحقيقة؛ لأن هذا اللازم الذي ذكروه إنما يلزم على محبة المخلوق، أما محبة الخالق فلا يلزم منها ذلك، لأنها ليست كمحبة المخلوق للمخلوق، بل هي محبة لا نعلم كنهها وكيفيتها، ولكننا نعلم معناها، أما كنهها أو حقيقتها وكيفيتها فهذا غير معلوم لنا.
ثم إن قولهم: إن الإنسان لا يحب إلا ما فيه نفع له أو دفع مضرة غير مسلم أيضًا حتى في المخلوق، فإن من الناس الطيبين من يحب الخير للمؤمنين كما يودون لأنفسهم يحب لأخيه أن ينفعه الله ويرفع عنه الضرر وإن كان هو بنفسه لا ينتفع بذلك ولا يتضرر، لو تضرر أخوه فليس بلازم، ثم إنا نورد عليهم فنقول لهم: ألستم تثبتون الإرادة فيقولون: بلى نثبت الإرادة، إرادة الإنسان هل الإنسان العاقل يريد شيئًا إلا ويطمع أن فيه منفعة له أو دفع مضرة ما الجواب؟ نعم، الجواب كذلك، وأنتم تثبتون الإرادة لله فيلزم على قياس قاعدتكم أن تنكروا الإرادة، فإن أجبتم بأنها إرادة خاصة بالله عز وجل لا تستلزم النقص الذي تستلزمه إرادة المخلوق، قلنا لهم: وكذلك المحبة، والنصوص الواردة في المحبة في الكتاب والسنة أكثر بكثير من النصوص الواردة في الإرادة فالصواب أن الله تعالى له محبة حقيقية، ولكنها ليست كمحبة المخلوق، بل هي أعلم وأكمل وأعظم، ولا نستطيع أن نتصورها، فالواجب علينا أن نثبت ما أثبته الله لنفسه، لأنه عز وجل أعلم بنفسه منا، فإذا أخبرنا عن نفسه بصفة فليس من حقنا أن ننكرها.
ويستفاد من الحديث: كرم الله عز وجل، وأنه يحب ظهور آثار نعمته على الخلق، وذلك من أجل كرمه- سبحانه وتعالى- حتى يتبين ويظهر كرمه على خلقه؛ لأن بظهور كرمه على خلقه، وظهور آثار صفاته زيادة محبته وتعظيمه، وكلما ظهرت لنا آثار صفاته- صفات الرحمة أو صفات الغضب والانتقام- فإن ذلك يزيد فينا محبة له وتعظيمًا له.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان عبد الله عز وجل سواء أطاع الله أم لم يطعه لقوله: ((إذا أنعم عاى عبده أن يرى أثر نعمته عليه))؛ لأنه إذا لم يوجد أثر نعمة فإنه يكون قد خالف ما يحبه الله