هذا الحديث فيه بيان حكم المني، والمني: هو الماء الدافق الذي يخرج من الإنسان بشهوة، فلابد أن يكون دافقا حتى يصلح عليه أنه مني صحة وليس من مرض؛ لأن المني قد يخرج من مرض، لكن الكلام هنا على المني الذي يخرج من الصحة، وهذا لا يكون إلا دافقا لقول الله تعالى:{فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق}[الطارق: ٥، ٦].
هذا الحديث تقول عائشة: إن الرسول يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا انظر إلى أثر الغسل، يعني: أنه يصلي فيه - عليه الصلاة والسلام- وهو لا يزال رطبا لم ييبس من غسله.
ذكر المني قد يوجب لنا أن نذكر ما يخرج من الذكر. الذي يخرج من الذكر أربعة أنواع:
المني، والمذي، والبول، والودي. أربعة أشياء كلها مختلفة، إلا الودي مع البول.
المني سيتبين لنا إن شاء الله من الحديث أنه طاهر موجب للغسل، المذي بين الطهارة والنجاسة ليس من النجاسات الثقيلة ولا من الطاهرة، وهو أيضا سبب الشهوة، لكنه لما كان لا يخرج حين اشتدادها وقوتها وإنما يخرج عند تذكر أو رؤية المرأة أو أشبه ذلك، ويخرج من دون أن يحس به الإنسان ولا يدري عنه إلا برطوبته، هذا بين بين جعله الشارع بين المني والبول، فهو يوجب غسل الذكر والأنثيين وإن لم يصيبها، ويوجب أيضا أن ينضح ما أصابه نضحا بحيث يغمر بالماء دون أن يتقاطر منه، ودون أن يعصر، ويفرق عن البول والودي لأن حكمهما واحد، كلاهما نجس، وكلاهما يغسل غسلا تاما بحيث يصب عليه الماء حتى يتقاطر ويفرك ويعصر.
تقول رضي الله عنها:"كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل" متفق عليه. قولها:"يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب"؛ أي: الثوب الذي فيه المني وغسله منه، وقولها:"وأنا أنظر" يحتمل أن تكون الجملة حالية؛ يعني: يخرج وأنا أنظر إليه أتبعه بصري، ويحتمل أنها استئنافية بمعنى: أنه يخرج خروجا غير مقيد بكونها تنظر إليه بل أنا أنظر إليه حين خروجه أو قبل خروجه، وعلى هذا فالحكم لا يختلف، وفي رواية لمسل:"لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه".
الفرك: هو الدلك إما بالأصابع أو مع الراحة أو ما أشبه ذلك، وقولها رضي الله عنها:"فركا" من باب التوكيد فهو مصدر مؤكد، والمصدر المؤكد قال العلماء: إن فائدته نفي احتمال المجاز مع التوكيد، فقوله تعالى:{وكلم الله موسى تكليما}[النساء: ١٦٤].