ومن فوائد هذا الحديث: أنه يمكن أن يقاس على المني كل ما يستحيا من رؤيته، فإنه ينبغي للإنسان أن يزيله عن ثوبه فلو كان به أثر دم وإن قلنا بالطهارة؛ أو كان فيه أثر مخاط؛ أي: في الثوب فإنه ينبغي للإنسان أن يزيله؛ لأن هذا مما يستحيا منه وتتقزز النفوس منه، وبالتالي يكون نفس الذي اتصف به مكروها في طبائع الناس، وإن كان غير مكروه شرعا لكن الناس لا يجبون أن يروا هذا المذى على غيرهم.
ومن فوائد الحديث في لفظ مسلم: أن من العشرة بالمعروف أن تخدم المرأة زوجها لقولها رضي الله عنها: "لقد كنت أفركه".
فإن قال قائل: وهل خدمة الزوجة زوجها أمر واجب عليها؟
فالجواب: أن الله تعالى حكم بهذا حكما عدلا فقال: {وعاشروهن بالمعروف}[النساء: ١٩].
فإذا كان المعروف عند الناس أن المرأة تخدم زوجها وجب عليها أن تقوم بخدمته، وإذا كان المعروف أن الزوجة لا تخدم الزوج وأنها تستخدم الخادم لم يجب عليها أن تخدم الزوج، وإذا كان من المعروف أن تخدمه في شيء، دون شيء فعلى حسب المعروف ما جرت العادة أن تخدمه فيه وجب عليها أن تخدمه، وما لم تجر العادة به لم يجب عليها، كل هذا مأخوذ من كلمتين:{وعاشروهن بالمعروف}.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الاقتصار على فرك المني إذا كان يلبسا، وأنه لا يجب غسله، ولكن بعض الأشخاص يكون لمنيه أثر وإن فركوه فهل نقول: اغسل الأثر؟ الجواب: نعم، اغسله لئلا يتقزز الناس من رؤيته.
ومن فوائد هذا الحديث - أعني: رواية مسلم-: أنه كالصريح في طهارة المني؛ لأن النجس- ولاسيما ما كان له جرم- لا يكفي فيه الفرك؛ إذ إن الثوب يتشرب النجاسة، فالفرك لا يمكن أن يزيل عين النجاسة، وهذا يدل على أن المني طاهر وهو كذلك، بقي أن يقال - وهي مسألة ليست في الحديث-: إذا كانت النجاسة التي لها جرم على شيء أملس كالمرآة فهل يجزئ فيها الفرك إذا أزالها بالكلية؟ الصواب: أنه يجزئ؛ لأن القول الراجح أن النجاسة متى زالت بأي مزيل طهر المحل.
ومن فوائد هذا الحديث: زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا؛ حيث كان ثوبه الذي يصيبه المني يغسله ويصلي فيه، بمعنى: أنه لا يحتاج إلى ثوب للصلاة، وثوب للفراش، وثوب للبيت وما أشبه ذلك. فهل يقال: إنه لما أنعم الله علينا بالمال ينبغي لأن نعود إلى ذلك، وأن نجعل ثوب النوم هو ثوب الصلاة؟