يأمر جميع الناس أن يغسلوه ولا هو نفسه باشر غسله ولا تكفينه، فهو إذن فرض كفاية، والفرق بين فرض الكفاية وفرض العين: أن فرض العين مطلوب من كل شخص فقد أريد به التعبد لله من كل واحد، وأما فرض الكفاية فالغرض منه تحصيل ذلك الشيء بقطع النظر عن الفاعل، فالأذان مثلًا فرض كفاية؛ لأن المقصود منه الإعلام بدخول وقت الصلاة، تغسيل الميت فرض كفاية؛ لأن المقصود منه التغسيل بقطع النظر عن الفاعل.
وهل يستفاد منه: أنه يشترط أن يكون الغاسل مكلفًا؛ أي: بالغًا عاقلًا؟ نعم؛ لأن توجيه الخطاب إنما يكون للمكلفين، إذ إن غير البالغ قد رفع عنه القلم.
ويؤخذ منه: جواز تغسيل المحرم للميت، ألا يمكن أن يكون بعضهم لم يحرم؟ الاحتمال العقلي وارد، لكنه مخالف جدًّا لظاهر الحال، وقد ذكر أهل العلم كالمؤلف رحمه الله في الفتح أن الاحتمالات العقلية لا ترد في الدلائل النظرية؛ وذلك لأننا لو أردنا أن نورد كل احتمال يفرضه الذهن لكان جميع الأدلة يمكن أن تبطل؛ لأنه ما من دليل إلا ويمكن إيراد احتمال عقلي يبطله؛ فإذن بظهر الحال، فظاهر الحال أن جميع هؤلاء محرمون؛ إذ يبعد أن أحدًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحرم.
ويستفاد من الحديث: ان الكفن مقدم على الدَّين، من أين يؤخذ؟ من قوله:((كفنوه في ثوبيه)) ولم يستفصل هل عليه دين أم لا، فيؤخذ منه فائدة فرعية: أن لباس الإنسان الحي المفلس مقدِّم على دينه، لا نقول: بع ثوبك، بع سروالك، بع مشلحك، واقض به الدَّين.
ويستفاد منه: أن المشروع في المحرم أن يكفن في ثوبي إحرامه لقوله: ((في ثوبيه)) أي: ثوبي الإحرام.
ويستفاد منه أيضًا: أنه إذا كان للميت تركة فلا ينبغي أن يجهز إلا منها لقوله: ((في ثوبيه))، ولما في ذلك من المنة، لو أن أحدًا قال: أنا أتبرع وأقوم باللازم من التجهيز وله تركة، فنقول: لا ما دام له تركة فإن الأولى أن يجهز من تركته لهذا الحديث ولما في ذلك من المنة.
وفيه جواز الوقوف على الراحلة في عرفة وما الأفضل: أن يقف راكبًا أو أن يقف ماشيًا؛ يعني: غير راكب؟ اختلف العلماء في ذلك؛ فمنهم من قال: إن الأفضل أن يقف راكبًا، وعلى هذا فالأفضل لنا إذا أردنا الدعاء أن نركب على السيارات وندعو أحسن من كوننا ندعو على الأرض، ولكن ينبغي في هذه المسألة أن يقال: إنه ينظر إلى ما هو أصلح للقلب، فإذا كان الأصلح للإنسان أن يدعو الله عز وجل وهو في الأرض بعيدًا عن الناس فليفعل، وإذا كان الأصلح أن يدعو وهو على راحلته فليفعل، لكن أيهما أصلح في الغالب؟ الغالب أن الأرض أصلح؛ لأنه يبتعد عن الناس وعن ضوضائهم، وربما يكون أدعى إلى الإخلاص لله عز وجل فليفعل الإنسان ما يراه أصلح لقلبه.