طلقت ثلاثًا، وهذا قبل أن يحدد الطلاق بالثلاث، وقد أشرنا إليه فيما سبق، لشاهد أن قوله:"أسرعوا بالجنازة" عام يشمل الإسراع في تجهيزها وفي حملها وفي دفنها، كلما أسرعنا فهو أولى؛ لأن الجنازة إن كانت صالحة فإن روح الميت تقول:"قدموني قدموني"، وإن كانت غير صالحة فلا خير في جثة غير صالحة أن تبقى عند أهلها.
وقوله صلى الله عليه وسلم:"أسرعوا"، الإسراع معروف وهو المشي بسرعة، إلا أن أهل العلم يقولون: بشرط ألا يشق ذلك على المشيعين، وألا يخشى منه تفسخ الميت أو خروج شيء منه مع الخضخضة، فإن خيف تفسخه- كما لو كان الميت حريقًا وخيف من الإسراع به أن يتمزق- فإنه لا يسرع به، أو خيف أن يخرج منه شيء لكونه مصابًا بالبطن، وأنه مع الخضخضة ربما يخرج شيء فإنه لا يسرع به الإسراع الذي يخشى منه ذلك، وإلا فالأفضل أن يسرع، كذلك لو كان يشق على الناس بأن حمله شباب أقوياء صاروا يطيرون به والآخرون يشق عليهم ومتابعتهم فإن هذا أيضًا ليس مقصود الشارع؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الماشي يكون أمامها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهذا يدل على ألا يكون الإسراع إسراعًا شديدًا يشق على الناس.
وقوله:"فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه"، نعم إذا كانت صالحة فإنكم تقدمونها إلى خير؛ لأنكم تقدمونها إلى الجنة، فإن أول مراحل نعيمه هو قبره، فإذا قدمته إلى هذا القبر فقد قدمته إلى خير من الدنيا وما فيها، ولهذا قال:"فخير تقدمونها إلى"، وقال:"وإن تك سوى ذلك"، ولم يقل: وإن تك طالحة، وهذا من حسن التعبير. قال:"سوى ذلك" كراهة أن يقول: طالحة، أو سيئة، أو ما أشبه ذلك، وهذا كما قلت: من حسن تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم.
"فشر تضعونه عن رقابكم" ولم يقل: فشر تقدمونها إليه؛ لأنه لا ينبغي لنا أن نقدم أخانا المسلم إلى شر، لكنه قال: شر تتخلصون منه، وهذا صحيح، أي: أن الإنسان يؤمر أن يتخلص من الشر، وهذا أيضًا من بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم في لفظه قال:"فشر تضعونه عن رقابكم"، ما إعراب قوله:"فخير تقدمونها إليه""فخير": خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: فذلك خير، وعلى كونها خبرًا لمبتدأ محذوف تكون الجملة "تقدمونها إليه" صفة لخير، وعلى أن "خير" مبتدأ تكون الجملة خبر المبتدأ، وكذلك نقول:"فشر تضعونه عن رقابكم" إما أن تكون مبتدأ خبرها "تضعونه"، أو خبلا لمبتدأ محذوف؛ أي: فذلك شر تضعونه عن رقابكم.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، وذلك من قوله:"أسرعوا بالجنازة"، ثم ذكر العلة، ومن هذا المنطلق نعرف أن ما جاء به من أسماء الله وصفاته فهو مبنى على كمال العلم وكمال النصح، فليس فيه ألغاز، وليس فيه أحاج، وليس فيه تضليل للناس، فإذا قال:"إن الله يفرح بتوبة عبده؛ يعني: أشد من فرح الإنسان ببعيره التي ضلت ثم وجدها"، هل نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد الفرح؟ لا، لو كان المراد سوى الفرح لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه