وقوله:"فله قيراط" هذه جواب الشرط، "ومن شهدها حتى تدفن". قوله:"حتى" للغاية أيضًا، و"تدفن" فيها- كما ترون- ثلاث روايات: تدفن، وتوضع في اللحد، ويفرغ من دفنها، فوضعها في اللحد وإن لم تدفن، وتدفن وإن لم يفرغ، ويفرغ من دفنها هو الغاية، فأي هذه الثلاثة الألفاظ الشامل للمعنيين الآخرين؟ حتى يفرغ من دفنها، وعلى هذا فيكون هو المعتمد، وهذا هو سر إتيان المؤلف به.
وقوله:"قيراط" القيراط في حساب الفرائض: جزء من أربعة وعشرين جزءًا أو جزء من عشرين جزءًا على اصطلاحين عند أهل الفرائض، قد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وقال: المراد: جزء من أربعة وعشرين جزءًا من أجر أهل الميت الذين أصيبوا به، ولكن هذا القول ضعيف بل هو قول باطل؛ أولًا: أن كون القيراط جزءًا من أربعة وعشرين جزءًا اصطلاح حادث، ولا يمكن أن تنزل ألفاظ الكتاب والسنة على الاصطلاحات الحادثة؛ لأننا لو نزلناها على الاصطلاحات الحادثة لمنعنا دلالتها عن أهل العصر الذين نزلت في عصرهم وصارت عندهم بمنزلة حروف المعجم التي ليس لها معنى، وصار المعنى إنما يستفاد في عصر متأخر، وهكذا نقول في كل من حمل ألفاظ الشرع على الاصطلاحات الحادثة؛ فإننا نقول له إذا قلت بذلك فإنك قد سلبت دلالة القرآن عن أهل العصر الذين نزل في عصرهم وكان الأحرى أن يكون بالعكس، يعني: لو فرض أن القرآن ما هو صالح إلا لعصر واحد لكانت صلاحيته لعصر من كان في عصرهم أولى، والوجه الثاني مما يبطل هذا المعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسرها هو بنفسه لما سئل: ما القيراطان؟ قال:"مثل الجبلين العظيمين"، ولا يمكن أن يفسر كلام أحد بخلاف ما فسره هو به، فعلى هذا نقول: إن القول بأنه جزء من أربعة وعشرين جزءًا باطل من وجهين.
قوله:"من شهدها حتى يصلى عليها" واضح أن هناك شهودًا للجنازة قبل الصلاة عليها، فمن الناس من سيأتي منذ خروجها من بينها حتى يصلى عليها، أو من وجوده منتظرًا لها حتى يصلى عليها؛ لأن الغاية لابد أن يكون قبلها شيء مغيًا وإلا لما صحت؛ ولهذا اختلف أهل العلم هل لابد أن يصاحب الجنازة من بيتها أو يكفي إذا صلى عليها وإن لم يعلم بها إلا حين قدمت في مكان الصلاة؟ فمن العلماء من قال: لابد من أن نأخذ بظاهر الحديث ونقول: من مشى معها من البيت حتى يصلى عليها أو جاء إلى المسجد منتظرًا حتى يصلى عليها، وأما من لم يكن كذلك فلا يحصل له الأجر؛ لأنه لو كان الأجر يحصل بالصلاة لقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من صلى على جنازة؛ لأن شهودها من بيته إلى أن يصلى عليها أكثر عملًا، ولا يمكن أن يساوي الأكثر عملًا ما كان دونه، وعلى هذا فمن صلى فقط فله أجر معلوم عند الله، ولا يلزم أن يكون هو هذا الأجر المقدم، وقال بعض أهل العلم: بل المقصود: الصلاة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من