تكون مارة وسمعت فليس عليها إثم، إنما المستمعة التي تجلس تستمع إلى هذه النائحة فإن شحذتها زيادة صارت أشد، وهذا يوجد كثيرًا في أحوال النساء الآن، يحدث كثيرًا أن يجتمع نسوة: واحدة تنوح والثانية ترقق لها طول النهار، هذا الفعل يجدد المصيبة ولا يمكن أن تزول عن قلب المرأة، كلما ذكرت هذا الاجتماع ولو بعد حين فإنها تحسّ بهذه المصيبة؛ فلذلك لعن النبي صلى الله عليه وسلم المستمعة، السامعة مثل أن تمر امرأة إلى جوار بيت ينوح أهله فتسمع النوح أو الجيران يسمعون النوح، لكن ما يستمعون فلا يدخلون في اللعن؛ لأن السماع لا يؤخذ به الإنسان، أما الاستماع فهو: الذي يصغي إلى الشيء ويستمعه وينصت له، فهذا يكون مشاركًا للفاعل في الإثم.
فيستفاد من هذا الحديث: جواز اللعن على ما دون الكفر؛ لأن النوح والاستماع له لا يخرج الإنسان إلى الكفر، وإذا كان لا يخرج إلى الكفر ومع ذلك جاز لعن النائحة، وهنا سؤال: هل يجوز إذا رأينا نائحة هل نلعنها بعينها؟ لا يجوز، وأن هناك فرقًا بين اللعن بالوصف وبين لعن الشخص: أما لعن الوصف فجائز، وأما لعن الشخص فقد نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم لما قال: اللهم العن فلانًا، وفلانًا نهاه الله وقال له:{ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذبهم}[آل عمران: ١٢٨]. ربما هذا الذي فعل ما يوجب اللعن الآن يمنّ الله عليه فيهتدي، لو رأينا رجلًا يبول في الطريق أو يتبرز فيه هل نلعنه بعينه؟ لا، لكن لنا أن نقول- وهو يسمع-: اللهم لعن من تغوط في طريق المسلمين، وفي هذه الحال حتى هو لا يغضب مثل لو قلت له: لعنك الله.
٥٦١ - وعن أمِّ عطيَّة رضي الله عنها قالت:"أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألَّا ننوح". متَّفقٌ عليه.
"أخذ" يعني: عهدًا، والمفعول به محذوف، يعني: أخذ علينا عهدًا ألا ننوح، وذلك عند البيعة حين بايعهن على ألا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ... الخ، وهذا كان بعد صلح الحديبية، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايعهن، ومن جملة ما يأخذ البيعة عليهن فيه ألا ينحن، لماذا خصّ هذا؟ لأنه كان من عادة النساء، فكان يأخذ عليهن- حتى في البيعة على الدين- ألا ينحن.
٥٦٢ - وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"السميِّت يعذَّب في قبره بما نيح عليه". متَّفقٌ عليه.
٥٦٣ - ولهما: نحوه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
قوله:"الميت يعذب في قبره""الميت" مبتدأ وهو عام، وخبره "يعذب" والباء في قوله: "بما"