ومن فوائده: أنه ينبغي للإنسان أن يذكر نفسه بما يحثه على اغتنام الفرص؛ لقوله:"وإنا بكم لاحقون"، فإن الإنسان إذا قال هذا مطمئنًّا به فإنه يحدوه إلى العمل، ثم إن قوله:"إن شاء الله" تزيد من ذلك؛ لأن الأمر ليس إليه بل هو إلى الله، والله عز وجل لن يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها، فهذا مما يزيدك حرصًا على اغتنام الوقت وعدم إضاعته.
ومن فوائد الحديث: أن المشروع أن يبدأ الإنسان بالدعاء بنفسه، يؤخذ هذا من قوله:"نسأل الله لنا ولكم العافية" لنا فبدأ بنفسه، وهذا يوافق عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"ابدأ بنفسك ثم بمن تعول"؛ لأن أقرب شيء إليك هو نفسك.
ومن فوائد الحديث: جواز الاقتصار في الدعاء، فهذا اقتصار وليس اختصارًا، فالاختصار هو: قلة الألفاظ مع شمول المعنى، فإذا قلت:"اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله سره وعلانيته وأوله وآخره"، فهذا بسط.
وإذا قلت:"اللهم اغفر لي ذنبي" هذا اختصار؛ لأنه شمل ما بسطت مع قلة اللفظ، أما الاقتصار فإنك تقتصر على بعض المعنى وتحذف الثاني، فهذا الفرق بين الاقتصار والاختصار، إذا قلت:"اللهم اغفر لي ولأخي" هذا اقتصار، وإذا قلت:"اللهم اغفر للمسلمين" هذا اختصار، وعلى هذا فقس.
ومن فوائد الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر محتاج إلى الله عز وجل، وإلى عافيته؛ لقوله:"نسأل الله لنا ولكم العافية"، هل يصلح هذا؟ لا؛ لأنه يعلم أما هو فسيأتي في الحديث القادم.
وهل يستفاد من الحديث مشروعية زيارة القبور؟ ظاهر اللفظ لا يدل على هذا، على كل حال إن أخذ من هذا الحديث فذلك المطلوب، وإن لم يؤخذ فمما سبق.
٥٦٨ - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنه قال:"مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: السَّلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر". رواه التِّرمذيُّ، وقال: حسنٌ.
هذا يستفاد منه عدة فوائد: أولًا: أنه يشرع هذا الذكر لمن مرّ بالمقبرة وإن لم يقصر الزيارة، حتى لو مررت عابرًا فإنك تقوله.
ويستفاد منه أيضًا: أنه إذا أراد أن يقوله عليه أن يستقبلهم بوجهه، ولكن هل يكون من اليمين أو من الشمال أو من الأمام أو من الخلف؟ حسب السير- أي: حسب الجهة التي تأتي منها-.
ويستفاد منه أيضًا: مشروعية هذا الذكر "السلام عليكم يا أهل القبور"، والذي علّمه الصحابة أن يقولوا:"أهل الديار من المؤمنين والمسلمين".