للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آتاه نقص؟ لا، فإن قلت: ما الفائدة من كونه يُخرج خمسة وعشرين ونحن نعطيه خمسة وعشرين يكمِّل بها الذي عليه؟ قلنا: الفائدة ليشعر أنه متعبد لله بإخراج الزكاة؛ ولأن هذا أحوط له وأبرأ لذمته، فعلى هذا يكون القول الراجح أنها- الزكاة- تجب في المال ولو كان صاحبه مدينًا، نقول له: زكِّ مالك ونحن نعطيك ما توفي به دينك.

وأما التعليل بأن الزكاة وجبت مواساة والمدين لا يتحملها؛ فإن التعليل في مقابلة النص عليل أو ميت مطروح، ثم نقول لهم: من الذي قال لكم إن الزكاة وجبت مواساة؟ أليست تصرف في الجهاد في سبيل الله؟ نعم، وهذا ليس بمواساة، تُصرف في الغارم في إصلاح ذات البين ولو كان غنيًّا، تُصرف لابن سبيل لكن الغالب أنه محتاج، لكن من الذي يقول إنها مواساة؟ نحن نتلمس علة ثم مع ذلك نبطل بها عموم النص! ! هذا لا يستقيم.

ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: جواز أخذ الولي الزكاة من الأغنياء.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الزكاة في فقراء البلد لقوله: "فترد في فقرائهم"، وهذا مبني على أن الضمير "في فقرائهم" يعود إلى أهل اليمن، أما إذا قلنا: تعود إلى فقراء المسلمين وأن الإضافة جنسية فليس فيه دليل، ومن ثم اختلف العلماء في ذلك.

ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد؛ لقوله: "في فقرائهم"، والفقراء هم أحد الأصناف الثمانية الذين قال الله فيهم: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} [التوبة: ٦٠]. فيكون في هذا الحديث رد لقول من يقول: إنه لا بد أن تُصرف الزكاة على الأصناف الثمانية كلها وألا يقل العدد في كل صنف عن ثلاثة، وعلى هذا اضرب ثلاثة في ثمانية يساوي أربعة وعشرين، فلو كان عندك ألف ريال فزكاته خمس وعشرون ريالًا، تعطي الفقراء الثلاثة على ريال، وتعطي المساكين على ريال، وتعطي العاملين عليها على ريال، وتعطي المجاهدين في سبيل الله على ريال، ثلاثة من المجاهدين، وعلى هذا فقس، والصحيح أنه يجوز أن تُصرف الزكاة إلى صنف واحد، وأن المراد بالآية بيان المستحقين لا وجوب التوزيع على الجميع.

فيه أيضًا من الفوائد: دليل على بعث الدُعاة إلى الله عز وجل، وذكرت من قبل، وهل هو على سبيل الوجوب؟ نعم ولكنه وجوب كفائي، إنما يجب على ولاة أمور المسلمين أن يبعثوا الدُّعاة إلى دين الإسلام، لا يقولوا: من جاءنا دعوناه، يجب أن يبثوا الدعوة الإسلامية، وإذا نظرنا إلى حالنا نحن المسلمين اليوم وجدنا أن عندنا تقصيرًا عظيمًا، وأن النصارى- على باطلهم- أقوى في الدعوة إلى الضلال وإلى دين منسوخ محرف، ومع ذلك يبذلون النفس والنفيس في تنصير الناس، يذهبون يقطعون الفيافي والمخاطر والمفاوز لأجل الدعوة إلى هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>