مؤكِّدًا للجملة قبله مثل قولك:"تبنى أنت حقًّا" فإن "حقًّا" مؤكد لمضمون الجملة السابقة هذا أيضًا مؤكِّدة لمضمون الجملة، ومعنى "عزمة" أي: أكيدة، يعني: نأخذها أخذا مؤكَّدًا مجزومًا به، "من عزمات ربنا" أي: من تأكيدات ربنا، وهنا إشكال وهو إنه قال:"عزمة من عزمات" ولم يقل عزمة من عزمات، يقول ابن مالك:
والسَّالم العين الثُّلاثي اسمًا أنل ... إتباع عينٍ فاءه بما شكل
إن ساكن العين مؤنَّثًا بدا ... مختتمًا بالتَّاء أو مجرَّدا
وسكِّن التَّالي غير الفتح أو ... خفِّفه بالفتح فكلَّا قد رووا
فالفاء المفتوحة تكون العين فيها مفتوحة دائمًا، ولا يجوز التسكين، فهذه القاعدة "عزمة من عزمات ربنا".
قال:"لا يحل لآل محمد منها شيء"، "لا يحل" أي: يحرم. من الذي يدرينا أن "لا يحل" يعني: يحرم؟ لأن الحل المطلق يقابله التحريم المطلق، فإذا قلت:"لا يحل" فهو كما لو قلت: يحرم، ولهذا قال الله عز وجل:{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب}[النحل: ١١٦]. وهذا هو المفهوم من كلمة "لا يحل" أي: يحرم، وإن كان نفي الحل قد يراد به نفي أن يكون مستوي الطرفين فيتناول المكروه والمحرم، بمعنى أن نقول: ليس حرامًا، بل هو حلال، والحرام ليس حلالًا، ولكنه لا يصار إلى هذا إلا بدليل واضح، وإلا فالأصل أن نفي الحل إثبات للتحريم هذا الأصل. يقول:"لا يحل لآل محمد" من آل محمد؟ هم أقاربه وليس أتباعه هنا بالتأكيد؛ لأننا لو قلنا: لا يحل لأتباع الرسول الزكاة لا يستقيم؛ لأن معنى ذلك أنها لا تحل إلا إلى الكفارة؛ إذن آل محمل هم قرابته وهم بنو هاشم فقط، وقيل: بنو المطلب، والصحيح خلافه، وأن آل المطلب تحل لهم الزكاة، وإنما شاركوهم في الأخذ من الغنيمة لمساعدتهم إياهم؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في بني عبد المطلب:"إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام". لكن الآن هم بنو هاشم، وهل يدخل في ذلك زوجاته؟ فيه نقاش أو لا؟ ليس فيه نقاش؛ لأنه هل الآن تأتي إحدى زوجات الرسول وتقول: أعطوني من الزكاة؟ هذا غير واقع، وإذا كان غير واقع فالمناقشة فيه قد تكون من فضول العلم، ولكن لا شك أن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل البيت بنص القرآن قال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلوة وءاتين الزكوة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس