للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد هذا الحديث: إسناد التشريع من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله لقوله: "عزمة من عزمات ربنا"، فتشريع النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا يأتي بدون هذه النسبة وأحيانًا يأتي بهذه النسبة، والكل من عند الله.

فإن قلت: هل لهذا الحديث شاهد من جواز التعزير بالمال؟

فالجواب: نعم، تحريق رحل الغال ثابت بالسُّنة، وهو من التعزير بالمال؛ لأن الغال الذي يكتم شيئًا مما غنمه من الغنيمة يحرق رحله كله إلا ما استثنى الشرع.

ومنها أيضًا: إضافة قيمة الضالة على من كتمها يضاعف عليه ضعفين.

ومنها: إضعاف القيمة على من سرق الثمر، وكذلك هنا تضاعف القيمة على من منع الزكاة، وقد سبق لنا احتمال كلمة "ماله" هل يراد بها المال الزكوي الذي منع زكاته أو جميع المال.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الزكاة لا تحل لآل محمد لقوله: "لا يحل لآل محمد منها شيء".

ومنها: كرم أصل هذا النسب الشريف حيث حرِّمت عليهم الزكاة؛ لأنها أوساخ الناس كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أخذ الزكاة من الإنسان نوع من الذل، فإن الإنسان إذا أخذ من شيء يوصف أنه صدقة تجده يتذلل أمام هذا الرجل الذي أعطاه، فمن أجل كرم هذا النسب ورفعته منع النبي صلى الله عليه وسلم من إعطاء هذا البيت الزكاة.

ومنها: أن نفي الحل يقتضي التحريم، يؤخذ من قوله: "لا يحل"، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم العباس من الزكاة لما طلب أن يعطيه، وقال: "إنها لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس"، وهذا هو الأصل في نفي الحل أن يراد به التحريم، وقد يراد بنفي الحل نفي الجواز فقط فلا يقتضي التحريم ويدخل فيه المكروه، ولكن هذا يحتاج إلى دليل، وإلا فالأصل أنه إذا نفي الحل فمقتضاه التحريم.

هل يستفاد من الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بلفظ التعظيم؟ نعم، يؤخذ من قوله: "فإنا آخذوها وشطر ماله"، وقد يقال: إن مثل هلا إذا قاله السلطان أو الولي فإنه يصح باعتبار أنه يتوصل إلى الأمر بجنوده وقوته، وعلى كل حال: فهذا التعبير سائغ بين أهل العلم إلى زماننا هذا.

فائدة:

ومن فوائد هذا الحديث- ولكنه ليس من فوائد الحديث في الواقع ولكنها فائدة مستقلة-: أنه يجوز للعالم أن يعلق القول بالشيء على ثبوت دليله، وقد علق الشافعي القول به على ثبوته، وهذا مسلك صحيح، لا يقال: إن العالم إذا قال هذا فإنه لم يعطنا شيئًا: "إن صح هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>