للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن الجملة طلبية، وإذا كانت الجملة طلبية كان اقترانها بالفاء لازمًا، وقد مر علينا أن الذي يقترن بالفاء وجوبًا سبعة أشياء مجموعة في قول الشاعر:

اسميَّة طلبيَّة وبجامد ... وبما وقد وبلن وبالتَّنفيس

التي معنا من الطلبية، وقوله: "فليتجر له" أي: لليتيم؛ أي: لأجله، والاتجار: هو التصرف في المال لطلب الربح، "ولا يتركه" معطوف على "فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة".

قوله: "وله شاهد مرسل" فهو ضعيف أيضًا يقول: "ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" "تأكله" أي: تفنيه وتخلصه، ولا يُعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة". إذا كان ما نقص مال من صدقة، وهنا يقول: "فلا يتركه حتى تأكله الصدقة" فما الجمع بينهما؟ الجمع أن يُقال إن النقص نوعان: نقص عين، ونقص معنى؛ فالصدقة لا شك أنها تنقص المال نقص عين لكنها لا تنقصه نقص معنى؛ لأن الله تعالى يُنزل فيه البركة، وبقاء الزكاة فيه تزع البركة منه مثاله إذا كان عند رجل مائة درهم كم الواجب فيها؟ خمسة دراهم أخرج الواجب خمسة دراهم نقصت المائتان وأصبحت مائة وخمسة وتسعين درهمًا؛ ولهذا لو بقيت عنده إلى العام القادم لا يزكيها لأنها نقصت، فالنقص العيني لا شك أنه يحصل بالصدقة، والنقص المعنوي لا يحصل، فإن الصدقة إذا خرجت من المال أنزل الله فيه البركة حتين إن العشرة تساوي ما يزيد عليها، بمعنى: أن العشرة قد تكون عوضًا عن عشرين أو عن ثلاثين حسب البركة.

ففي هذا الحديث عدة فوائد: أولًا أن اليتيم لا بد له من ولي، لقوله: "من ولي يتيمًا"، فلا يجوز للأيتام أن يتركوا بدون ولاية، والولاية على اليتيم مصدرها إما الشرع، وإما العرف فإن كان الأب هو الذي أوصى على ولده فهنا الوصية صادرة بالعرف، وإذا كان الأب مات ولم يُوص ولكن لهذا اليتيم جدًّا فولايته من قبل الشرع، وكذلك القاضي ولي على الأيتام الذين ليس لهم ولي من قبل الشرع.

ومن فوائد هذا الحديث: رحمة الله عز وجل بعباده حيث جعل لليتامى أولياء.

ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: وجوب الزكاة على غير البالغ، يُؤخذ من قوله: "ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"، إذن فمال الصبي فيه الزكاة، ومال المجنون فيه الزكاة.

فإن قلت: كيف تجب الزكاة في مال الصغير والمجنون وهما غير مكلفين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة". وذكر منهم الصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>