صلوات من ربهم ورحمةٌ} [البقرة: ١٥٧]؛ لأن الأصل في العطف المغايرة، فعلى هذا فالصواب: أن الصلاة هي ثناء الله على العبد في الملأ الأعلى. فإذا قلت:"اللهم صل على محمد" أي: أثن عليه في الملأ الأعلى، والملأ الأعلى هم الملائكة المقربون.
"اللهم صل عليهم" أي: على هؤلاء الذين أتوا بالصدقة، أي: أثنا عليهم في الملأ الأعلى، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا؛ لأن الله أمره به فقال:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم}[التوبة: ١٠٣]. فأمر الله تعالى بالصلاة عليهم وبين الحكمة من ذلك، وهي: أن نفوسهم تسكن وتطمئن؛ لأن المال حبيب إلى النفوس وبذله شاق عليها فإذا دعي لمن بذله سكن واطمأن وانشرح صدره، ولهذا تجد الفرق بين رجلين أعطيت أحدهما هدية أو صدقة فقال: جزاك الله خيرًا وأخلف عليك، والثاني أعطيته الهدية فمد يده وأخذها وسكت فلم يتكلم أيهما الذي يشرح صدرك له؟ لا شك أنه الأول، وإن كان الذي يعطي لله لا يهمه:{أنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا}[الإنسان: ٩] لكن الآداب والأخلاق أحسن.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد: أولًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مأمور ممتثل يطلب الأجر، من أين يؤخذ؟ من كونه يقول:"اللهم صل عليه" امتثالًا لأمر الله: {وصل عليهمّ}؛ إذن فهو عبد يوجه إليه أمر فيمتثله طلبًا لأجره، وهذا كله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مفتقرًا إلى الله عز وجل وإلى ثوابه وأنه ليس له حق في الربوبية إطلاق، وهذا أمر معلوم عند المسلمين كلهم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يشرع لمن أعطى زكاة أن يقول لمن أعطاه: "اللهم صل عليه"، إلا إذا خشيت أن يستنكر هذا الأمر فقل هكذا أمر الله نبيه، وتذكر الآية والحديث.
فائدة في حكم الصلاة على غير الأنبياء:
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الصلاة على غير الأنبياء لقوله: "اللهم صل عليهم"، والصلاة على غير الأنبياء تقع على ثلاثة أوجه:
الأول: أن تكون تابعة للصلاة على الأنبياء، وهذه جائزة بالنص والإجماع قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم صل على محمد وعلى آل محمد". فصلى عليهم تبعًا.
الثاني: أن يخص بها شخص معين كلما ذكر صلي عليه فهذا لا يجوز لأنه يلحقه بالأنبياء عرفا؛ لأن الذي يصلى عليه كلما ذكر: الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أبي هريرة أن جبريل قال له: "رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك".
الثالث: أن يصلى على غير الأنبياء استقلالًا، ولا يجعل شعارا لهذا الشخص المعين، فهذا جائز لا سيما إذا كان بسبب كما في هذا الحديث.