بخلاف الظاهرية، يرون أن خلاف أهل الظاهر ليس له قيمة ولا يعتبر كما أن بعض أهل العلم على العكس من هؤلاء لا يعتدون بخلاف أهل الرأي، والصواب أن نعتد بخلاف كل واحد من المسلمين؛ لأن الله يقول يخاطب المؤمنين:{وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}[النساء: ٥٩]. لكن لا ريب أن جماهير أهل العلم يرون وجوب الزكاة في عروض التجارة وهو الصواب قطعا، وله أدلة عامة وخاصة. فمن أدلته العامة:
أولًا قوله تعالى:{يأيها الذين امنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجناكم من الأرض}[البقرة: ٢٦٧]. وهذا هو الزكاة تجب في الخارج من الأرض وتجب في طيبات ما كسبنا.
ومنها أيضًا: قوله تعالى: {خذ من أموالهم}[التوبة: ١٠٣]. وهذا عام، والأصل فيه أنه يشمل كل شيء حتى العروض، لأنها من أموالنا.
والدليل الثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم".
والدليل الرابع: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". وصاحب العروض لو سألناه ما نيتك بهذه العروض؟ لقال: نيتي الدراهم، أي: ليس بنيتي السلعة، ولهذا أشتري في أول النهار برا، وأشتري في آخر النهار شعيرا، وأشتري في أول النهار بقرًا، وأشتري في آخره غنمًا؛ لأنه ليس عندي إرادة لعين المال، وإنما قصدي الربح الذي هو القيمة فيكون قوله- عليه الصلاة والسلام-: "إنما الأعمال بالنيات" دالًا على وجوب الزكاة في عروض التجارة؛ لأن نية المتجر هي الأثمان- النقود- فوجبت الزكاة عليه.
فيه أيضًا: دليل معنوي نظري، وهو أننا لو نفينا الزكاة في عروض التجارة لكانت أكثر أموال الأغنياء لا زكاة فيها؛ لأن أكثر أموال الأغنياء هي العروض، ولولا أنهم يتعاملون بالعروض ما نمت أموالهم، لو كان عندهم الدراهم فقط أو الدنانير ما نمت الأموال، ما تنمو أموال التجارة غالبًا إلا بعروض التجارة.
فإذا قلنا: إن هؤلاء الذين عندهم ملايين يبيعون بها ويشترون للتكسب لا زكاة عليهم، انتفت الزكاة في أكثر أموال الأغنياء، وهذا يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" أرأيت لو أن إنسانا عنده أراض، وعقارات ومواش، وأوان، وسيارات، ومعدات تبلغ ملايين للتجارة، وإنسان عنده مائتا درهم. قلنا للأول: لا زكاة عليك. وللثاني: عليك زكاة، هل هذا معقول؟ لا، ذاك الأول عنده ملايين الملايين من العقارات، ولا يمشي إلا بالسيارات الفخمة، وعنده من الخدم والحشم ما لا يحصيهم إلا الله، والمسكين هذا الذي ليس عنده إلا (٢٠٠) درهمًا قلنا: زكي، أخرج منها