المسلم من الكافر سواء في اللباس أو في الحلي أو في أي شيء فإنه خير وبركة؛ لأنه لا خير في موافقة المشركين أبدًا أو اليهود والنصارى في أي شيء، أما في العبادات فهذا قد يؤدي إلى الشرك والكفر، وأما في العادات؛ فلأن التشبه بهم في الأمور الظاهرة قد يوصل إلى التشبه في الأمور الباطنة، والغالب أنه ما من شخص يتشبه بإنسان إلا وهو يجد في نفسه إعجابًا به، وأنه أهل لأن يشتبه به ويقتدي به، أو ربما يكون في قلبه محبة له، وهذا شر مما قبله بالنسبة للكافرين، إذن هذه ستة أوجه كلها يشملها قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"فإن في السحور بركة"، وربما يكون هناك بركات أخرى معنوية غير ظاهرة لنا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمر به وعلَّله بهذه العلة إلا لما فيه من منافع كثيرة للعباد.
هذا الحديث كما نراه فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسحور، هذا الأمر هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ يرى بعض العلماء أنه للوجوب، وهذا على رأي من يرى أن الوصال حرام؛ لأنه إذا كان الوصال بين اليومين حرامًا فالأكل بينهما واجب، فإذا لم يأكل في الليل وجب أن يتسحر لئلا يواصل، ولكن جمهور أهل العلم على أن الأمر هنا للاستحباب.
لو قلت: هل هذا الرأي يؤيده قوله: "فإن في السحور بركة"؟
فالجواب: أن كونه فيه بركة لا ينافي الوجوب، بل هذا ربما نقول: إنه يؤيد القول بالوجوب.
ومن فوائد الحديث أيضًا: إثبات البركة في بعض الأطعمة؛ لقوله:"فإن في السحور بركة"، وإذا كان السحور بركة وهو طعام فقد يكون في الإنسان أيضًا بركة وذلك بأن يكون الإنسان مباركًا على من له اتصال به، كما في حديث أسيد بن حضير رضي الله عنه في قصة ضياع عقد عائشة رضي الله عنه حتى انحبس الناس على غير ماء، فانزل الله آية التيمم، قال أسيد:"ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكره"، وأمَّا من أنكر أن يكون في الإنسان بركة فهذا إن أراد بإنكاره إنكار أن يكون به بركة جسدية بمعنى: أن جسده مبارك فهذا حق؛ لأنه لا أحد يتبرَّك بجسده أو عرقه أو فضلاته إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يتبرك بفضل وضوئه وكذلك بريقه وعرقه وما أشبه ذلك، أما بوله وغائط، فالصحيح: أن نجس كغيره من البشر، وإن أراد في البركة نفي ما يحصل منه من خير وعلم ونفع مالي أو بدني فهذا غير صحيح، فإن من الناس من يكون فيه بركة على جليسه إما بعلمه أو بخلقه أو بماله أو بنفعه.
بعلمه: كأن ينشر علمًا في الحاضرين فيستفيد الناس منه. هذه بركة، ولهذا وصف الله القرآن بأنه مبارك لما فيه من العلم والخير.
وإما أن يكون فيه بركة بماله مثل: صادقات، هدايا، هابات، وما أشبه ذلك.