على خلاف فيها، والاستقاء على خلاف فيه، والإنزال على خلاف فيه، والإمذاء على خلاف فيه. إذن المجمع عليه الأكل والشرب والجماع، هذا متَّفقٌ عليه، فنقول لكل من ادَّعى أن هذا مفطر: عليك الدليل؛ لأن هذه عبادة ركن من أركان الإسلام، وإذا كان الشارع قد بيَّن موجباتها وشرائطها وأركانها؛ فإنه سيبين مفسداتها؛ لأن الأشياء لا تثبت إلا بوجود الشروط والأسباب وانتفاء الموانع، والمفسدات موانع، فالمسألة ليست بالهيئة، وليس من الهين أن تقول لعباد الله: إن عبادتكم فاسدة وهو يتقربون إلى الله بها؛ لأنك سوف تقابله يوم القيامة لماذا أفسدت عبادة عبادي عليهم بدون دليل؟
فهذا عدوان في حق الخالق واعتداء على المخلوق أن تفسد عبادته بدون دليل واضح، فإذا كان الشيء ثابتًا بمقتضى دليل شرعي، فإنه لا يمكن نقضه إلا بدليل شرعي، فلننظر وجدنا إن الكحل ليس أكلًا ولا شربًا، ما رأينا أحدًا إذا أراد أن يأكل التمر وضعه في عينه لا أحد يقول هكذا، هل هو بمعنى الأكل والشرب؟ أبدًا، ما سمعنا أن أحدًا إذا عطش ذهب ووضع عينه تحت البزبوز ليروى، ولا يضع فيها طحينًا ليصل إلى المعدة!
إذن ليس أكلًا ولا شربًا ولا بمعنى الأكل والشرب، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه ليس هناك دليل على أن مناط الحكم هو وصول الشيء إلى الجوف أو الحلق، إنما مناط الحكم أن يصل إلى المعدة شيء يستحيل دمًا يتغذى به الإنسان فيكون أكلًا وشربًا، وعلى هذا فنقول: الكحل وإن لم يثبت به دليل فالأصل الحلُّ، فإن قلت: قد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإثمد: "ليتقه الصائم"، "يتقيه" يعني: يجتنبه، قلنا: هذا لو كان صحيحًا لكان على العين والرأس، لكنه منكر كما قاله أبو داود، عن ابن معين، وإذا كان منكرًا فلا حجة فيه، ويبقى الأمر على الأصل على الإباحة، فإن قلت: حديث لقيط بن صبرة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أسبغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا"؛ لماذا؟ لأن الصائم لو بالغ في الاستنشاق لدخل الماء إلى جوفه.
فالجواب: أن الأنف منفذ طبيعي يصل إلى الجوف، ولهذا كثير من المرضى يوصلون لطعام والشراب إليهم عن طريق الأنف وهو ما يسمى بالسُّعوط، أما العين فليس بمنفذ معتاد، فلا يكون ما وصل عن طريقها كالواصل عن طريق الأنف، وليس كل شيء يجده الإنسان في حلقه من خارج يكون مفطرًا، فهاهم الذي يرون أن من اكتحل حتى وصل الكحل إلى حلقه