الصلاة والسلام- أقل من الصاع المعروف عندنا بالخمس وزيادة، يعني: ثمانين من مائة وخمسة، هذا صاع النبي - عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لأصواعنا فهو قليل، والمد: ربع الصاع، وثلثا المد يعني الثلثين ... قليل، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بثلثي مد، وهذا أقل ما روي أنه توضأ به، وأكثر ما يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.
فيستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي الإسراف في استعمال الماء، وأن الإنسان يقتصر على أدنى ما يمكن إسباغ الوضوء به؛ وقوله:"فجعل يدلك ذراعيه". الدلك هو مسح الشيء على وجه فيه شدة حتى يسبغه؛ لأن الماء قليل فلابد من دلك حتى يسبغ ذراعيه، والذراع: هو الساعد الذي بين المرفق والكتف.
فيستفاد من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسرف في استعمال الماء؛ لأنه يقتصر على ثلثي مد.
فإن قال قائل: وهل ممكن؟ قلنا: نعم، هذا ممكن إذا كان الرسول - عليه الصلاة والسلام- فعله فهو ممكن؛ لأنه أسوتنا، أما على ما نحن عليه الآن من هذه الصنابير فإن الإنسان يتوضأ بكم؟ يمكن بأكثر من صاع؛ لأنه لا يزال الماء في الصنوبر يمشي ولا يمكن أن تقدر - قدره، ولهذا رأينا في بعض المناطق في الحجاز أنهم يستعملون استعمالا جيدا جعلوا البزبوز الصمام الذي يكون للغاز، لأنه ضيق فلا يسرف كثيرا، وهذا لا شك أنه جيد، خصوصا في الأماكن العامة التي لا يقدر فيها الناس قدر الماء.
وفي هذا الحديث أيضا: استحباب دلك الأعضاء لقوله: "فجعل يدلك"؛ فيستحب منه الدلك، ولكن هذا فيما إذا كان الماء كثيرا يسبغ بدون دلك، فالدلك يكون سنة؛ لأنه أبلغ في الإسباغ، أما إذا كان الماء قليلا لا يمكن أن يجزي على الأعضاء إلا بدلك، فالدلك واجب وهذا القول وسط بين قولين:
الأول: أن الدلك واجب مطلقا؛ لأنه لا يتيقن أن الماء وصل إلى جميع العضو إلا بالدلك؛ إذ إن الجلد فيه شيء من الدهون، فقد لا يصل الماء عن موضع الجلد فلا يدرك الواجب.
الثاني: بعض العلماء: -وهم الأكثر ٠ يقولون: إن التدليك سنة، وفي هذا يقول القحطاني في نونيته رحمه الله:[الكامل]
الغسل فرض والتدلك سنة ... وهما بمذهب مالك فرضان
لكن الصحيح: التفصيل؛ إذا كان الماء كثيرا ينتشر على الجلد بلا إشكال فالدلك سنة،