يوم مسكينًا، لكن هذا الاجتهاد منه رضي الله عنه ليس في محله، لأنه ثبت من حديث سلمة بن الأكوع في الصحيحين أنها منسوخة، وأن أول ما فرض الصوم كان الناس بالخيار ثم تعين الصوم، لكن قد يقال: إن لكلام بن عباس وجهًا وهو أن الله تعالى جعل الإطعام بديلًا للصوم والإنسان مخير بينهما، فإذا تعذر الصوم حل محله بديله وهو الإطعام، فيكون هذا من الاجتهاد الموافق للصواب.
وقوله:"رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم من كل يوم مسكينًا" تقدم أنا لرخصة: السهولة في الأمر، وأن الشرع موافق للغة في ذلك، وقوله:"يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا"، فإذا كان الشهر ثلاثين يومًا أطعم ثلاثين مسكينًا، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين أطعن تسعة وعشرين مسكينًا.
وقوله:"ولا قضاء عليه" لأن القضاء في حقه متعذر أو متعسر، وحينئذٍ يكون الإطعام بدلًا عن الصوم.
وقوله:"مسكينًا" هل يعني ذلك: فقيرًا أو مسكينًا؟ يشملهما جميعًا؛ لأنه سبق لنا أن "مسكينًا" إذا قرنت بما يماثلها أو إذا قرنت بالفقير فالمراد بها: من دون الفقير، وإذا انفردت عمّت، فيكون هذا من باب الكلمتين إذا أفرقنا اتفقتا، وإذا اجتمعنا افترقتا.
وقوله:"يطعم عن كل يوم مسكينًا" لم يقدِّر الإطعام، فيشمل كل ما يسمى إطعامًا، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه لما كبر يضع طعامًا ويدعو إليه ثلاثين فقيرًا يأكلون، فعليه إذا غدَّى المساكين أو عشاهم أجزأه؛ لأنه يصدق عليه أنه أطعم عن كل يوم مسكينًا.
يستفاد من هذا الحديث أولًا: أن الشيخ الكبير إذا لم يستطع الصوم سقط عنه ووجب عليه بدله، وهو أن يطعم عن كل يوم مسكينًا.
ثانيا: يقاس عليه من يشبهه من ذوي الأعذار التي لا يرجى زوالها؛ لأن العلة الواحدة وهي العجز عن الصوم عجزًا مستمرًا مثل أصحاب الضعف المنهك الذي لا يرجى قوته فيما بعد، وكأصحاب داء السكر الذين يحتاجون إلى الشرب دائمًا، وكذلك أصحاب أمراض الكلى الذين يحتاجون إلى الشرب دائمًا، وكذلك من به مرض يحتاج إلى تناول الدواء كل يوم كل ست ساعات مثلًا، وكذلك أصحاب أمراض السرطان وشبهها مما لا يرجى زواله فحكمهم