للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"صمت يومًا واحدًا" فإن اليوم يصام كما تقول: صمت شهرًا، قال الله تعالى: {فصيام شهرين} صارت مضاف إليه، فهناك فرق بين المفعول به والمفعول فيه؛ المفعول فيه هو الذي يقع فيه الفعل، والمفعول به هو الذي يقع عليه الفعل.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "في سبيل الله" هل المراد في شريعة الله، أو المراد في سبيل الله، أي: في الجهاد في سبيل؟ يحتمل المعنيين، يحتمل: "في سبيل الله"، أي: في شريعة الله، ويكون في هذا تنبيه على الإخلاص والمتابعة؛ لأن العمل لا يكون في سبيل الله إلا إذا جمع بين الإخلاص والمتابعة، ويحتمل أن يكون المراد: "في سبيل الله"، أي: في الجهاد في سبيل الله؛ لأن الصوم في هذه الحال دليل على قوة رغبة الإنسان فيه فيمتاز بزيادة الأجر، كما كونه يقع خالصًا لله متبعًا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي مكان وفي أي زمان، فهذا شرط للعبادة.

على كل حال: حتى لو لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: في سبيل الله، فإن من صام لا في سبيل الله، لا أجر له، فالذي يظهر أن المراد: في سبيل الله، يعني: الجهاد في سبيل الله؛ لأنه إذا أطلق الصوم الشرعي فهو الذي يكون في سبيل الله وحينئذ يكون التقييد ضعيفًا، أما إذا قيدناه فإنه لابد أن يفيد معنى قويًا مفيدًا أكثر من الإطلاق، وهو الظاهر أنه في سبيل الله، أي: في الجهاد في سبيل الله، ولكن يشترط لذلك ألا يكون مخالفًا للشرع، فإن كان مخالفًا للشرع فلا شك أن الإنسان لا ينال به أجرًا كما لو كان الصوم يضعفه عن القتال فحينئذ لا يصوم، ولهذا لما كان المسلمون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح رغبهم في الفطر؛ فمنهم من أفطر ومنهم من صام، ولما نزلوا المنزل الذي يلاقون فيه العدو من عنده قال لهم: "إنكم لاقوا العدو غدًا والفطر أقوى لكم فأفطروا"، فأمرهم بالفطر وعلَّل ذلك بأنه أقوى، وعلى هذا فإذا كان الإنسان في القتال فالمشروع له أن يفطر، وحينئذ لا يمكن أن يرغب الشرع في أمر يطلب من المسلمين أن يدعوه إذن كيف يكون مجاهدًا في سبيل الله ويصوم هذا اليوم الذي فيه الأجر العظيم مع أنكم تقولون: لا يصوم وقت ملاقاة العدو؟ يمكن أن يكون مرادفًا، يمكن أن يكون إلى الآن لم يلتحم القتال يصلح ويستعد والصوم لا يشقُّ عليه فهذا أمر ممكن.

وقوله: "إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار" "باعد" من البعد؛ لأن الذنوب هي سبب دخول النار؛ فإذا بوعد بينه وبين النار هذه المدة دلَّ ذلك على أنه قد كفِّر عنه سيئاته.

وقوله: "سبعين خريفًا"، "سبعين" هذه نائبة مناب الظرف، و"خريفًا" تمييز؛ لأنها مبينة لنوع

<<  <  ج: ص:  >  >>