والثالث: أنه يقوم فيه الأشهاد كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهد} [غافر: ٥١].
"يأتون غرا" هذا حال من فاعل يأتون؟ والأغر: هو الفرس الذي في وجهه بياض، وقوله: "محجلين" أيضا حال أخرى، لكن التحجيل بياض يكون في الأرجل في أطرافها.
وقوله: "من أثر" (من) هذا للتعليل، "من أثر الوضوء" يجوز فيه الوجهان: الوضوء أي: الماء، والوضوء أي: الفعل وكلاهما صحيح، هذا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين"؛ ولا منافاة لأنهم يدعون فيأتون كما قال الله تعالى: {كل أمة تدعى إلى كتبها} [الجاثية: ٢٨]. "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"، وهل يمكن أن يستطيل؟
يقول الن القيم رحمه الله: إنه لا يمكن إطالة الغرة؛ لأن الغرة بياض الوجه، والوجه محدود طولا وعرضا، فلا يمكن أن تطال الغرة، لو أنه خرج بالغسل عن حد الوجه لكان خرج إلى غير الغرة، ولهذا قال في النونية:
وإطالة الغرات ليس بممكن ... أيضا وهذا واضح التبيان
فكيف نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بما لا يمكن؟
الجواب: أن هذا مدرج من قول أبي هريرة رضي الله عنه، ولهذا جاءت رواية أخرى لهذا الحديث ليس فيها "فمن استطاع"، لكن أدرجه بعض الرواة.
وما قاله ابن القيم في هذا الحديث هو الصواب أنه مدرج، والله - سبحانه وتعالى- حدد الغسل - غسل الوجه- فقال: {فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: ٦]. ولو أنا خرجنا عن حد الوجه لكنا تعدينا عن الحد الذي حده الله عز وجل، أخذ بعض العلماء بهذه الزيادة كما سيأتي في الفوائد إن شاء الله.
في هذا الحديث فوائد: أن هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم تأتي يوم القيامة على هذا الوصف، وجوههم بيض نور يتلألأ، أيديهم كذلك، أرجلهم كذلك.
ومن فوائد الحديث: أن هذا النور والبياض يختص بأعضاء الوضوء فقط التي تغسل وهي الوجه واليدان والرجلان، وأما الرأس فمسكوت عنها؛ لأن الغرة لا تكون إلا في الوجه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأنهم لما طهروا هذه الأعضاء في الوضوء امتثالا لأمر الله عز وجل وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم كان جزاؤهم مثل العمل، ولهذا تجدون في القرآن الكريم آيات كثيرة {جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: ١٧]. وأمثال ذلك إشارة إلى أن الجزاء