لأنهما اليومان اللذان يحصل بهما الأكل والشرب إظهارًا لنعمة الله- سبحانه وتعالى- في أيام النحر، وإظهارًا للفطر في يوم الفطر؛ لأن الناس لو صاموا لم يكن هناك فرق بين أول يوم من شوال وآخر يوم من رمضان، واختلطت الأيام التي يجب صيامها بالأيام التي لا يجب، والشارع له نظر في التفريق، ولهذا سبق لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يتقدم الإنسان رمضان بصوم يوم أو يومين خوفًا من أن يختلط الواجب بغيره، ولأن العبادة المحدودة إذا لم يكن هناك تمييز بين طرفيها فإنها تبدو وكأنها غير مؤقتة فمن أجل هذه الحكم نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُصام يوم عيد الفطر.
وأما قول بعض أهل العلم: إنه نهى عن صيامهما؛ لأن الخَلق في ضيافة الله ففيه نظر ظاهر؛ لأن الخَلق دائمًا في ضيافة الله، لكن الحكمة هو هذا، أما يوم النحر فالحكمة فيه؛ لأن الناس لو صاموا لكان هذا عُزوفًا عن تمتعهم بالأكل عن هداياهم وضحاياهم، وقد أمر الله تعالى بالأكل منها، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحكمة بقوله:"أيام التشريق أيام أكل وشُرب وذكر لله عز وجل"، فلما كان الصوم يحول بين الإنسان وبين أكله من هذه الشعيرة العظيمة وهي النُّسك نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: نهى عن صيامهما عامٌّ يشمل صيامهما على أنه فريضة أو أنه نافلة، ويشمل صيامهما مضمومين إلى ما بعدهما أو منفردين، بمعنى: أنه لا يجوز أن تصوم يوم الفطر ولو صمت اليوم الثاني، ولا اليوم العاشر ولو صمت اليوم التاسع، أو الحادي عشر فالنهي عن صيامهما مطلقًا.
فمن فوائد الحديث أولًا: تحريم صوم هذين اليومين.
ثانيًا: بيان حكمة الله عز وجل من الشريعة، وأنه- سبحانه وتعالى- أراد منا أن نجعل الشريعة متميزة ظاهرة يتميز فيها كل شيء عن شيء.
ثالثًا: مشروعية الحفاظ على الأكل من الأضاحي وكذلك الهدايا؛ لأن الله أمر بها، والصوم يحول بيننا وبين الأكل إلا في الليل.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان لو نذر أن يصوم هذين اليومين فإن نذره لا يصح ولا يجوز الوفاء به، لماذا؟ لأنه معصية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، ولكن هل يلزمه أن يكفر كفارة يمين؟ هذا محل خلاف، والصحيح: أنه يلزمه أن يكفر كفارة يمين؛ لأنه ورد حديث في هذا، وثانيًا: لأن حقيقة الأمر أن النذر متضمن معنى اليمين، والمقصود باليمين: الإيجاب التأكيد على الفعل إن حلفت على فعل، أو على الترك إن حلفت على ترك.
ظاهر الحديث أيضًا: أنه لا يُصام يوم النحر ولا عن دم المُتعة والقِرآن مع أنه واجب؛