ومن فوائده أيضًا: الإشارة إلى إخلاص النية لقوله: "إيمانًا"، وكذلك الإشارة إلى التصديق بوعد الله عز وجل لقوله:"واحتسابًا"، فإن الإنسان لا يحتسب الشيء لا إذا آمن به.
ومن فوائده أيضًا: أن من قام رمضان على هذا الوصف حصل على مغفرة الذنوب السابقة؛ لقوله:"غفر له ما تقدم من ذنبه"، وظاهر الحديث شمول الذنب للصغائر والكبائر، وأن كل ما سبق يغفر له، ولكن جمهور أهل العلم يرون أن هذا العموم مخصوص بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"، فقالوا: إن هذا الحديث وأمثاله مخصص بذلك، ويكون المراد بالذنب: الصغائر فقط، فإذا اجتنب الكبائر غفرت الصغائر، ويوجهون كلامهم بأنه: إذا كانت الصلوات الخمس- وهي أعظم أركان الإسلام- لا تقوى على تكفير الكبائر فما دونها من باب أولى؛ لأنه لا شك أن الفرض أحب إلى الله تعالى وأعظم أثرًا في قلب المؤمن وأعظم أجرًا، فإذا كانت الفرائض العظيمة لا تكفر بها الكبائر فهذا من باب أولى، وهذا أقرب.
ومن فوائد الحديث: أن من قام رمضان على العادة فإنه لا يحصل له مغفرة الذنب كما هو شأن كثير من الناس اليوم يقومون رمضان لأنهم يعتادون قيامه، ولهذا تجد غالبهم لا يحصل عنده خشوع في صلاته ولا طمأنينة بل ينقرها نقر غراب، وحدثني رجل أثق به قال: إنه دخل على مسجد وهم يصلون التراويح وينقرونها هذا النقر المعروف يقول: فلما نام رأى المنام كأنه دخل على أهل هذا المسجد وهم يرقصون، يعني: كأن صلاتهم صارت لعبًا ولا شك أن بعض الأئمة- نسأل الله لنا ولهم الهداية- يصلون التراويح صلاة لعب لا يتمكن الإنسان من التسبيح في الركوع ولا من التحميد بعده، ولا من التسبيح في السجود حتى في التشهد تشك هل أكملوا التشهد الأول أم لم يكملوه، وهذا نقص في الإيمان، لأن المؤمن المحتسب لا يمكن أن يصلي هذه الصلاة.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن الإنسان إذا قصد بعمله الثواب عليه، فإن ذلك لا يعد مثلبة في حقه بل هو منقبة، لقوله:"واحتسابًا"، ففيه رد على من يقول: إن أكمل عبادة لله أن تعبد الله تقصد الله، فإن قصدت الله مع الثواب فهذا نقص، ولا شك أن هذا القول خطأ؛ لأن الله وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم خير الأمة بلا شك بأنهم يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا فقال:{مُّحمدٌ رَّسول الله والَّذين معه أشدَّاء على الكفَّار رحماء بينهم تراهم ركَّعًا سجَّدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا}[الفتح: ٢٩]. فوصفهم بأنهم يبتغون الأمرين الفضل والرضوان، وقال تعالى: {ولا تطرد الَّذين يدعون