الصحابي: من السُّنة، فقد قال العلماء: إن له حكم الرفع، وإذا قال: من السُّنة فقد يكون ذلك الشيء واجبًا وقد يكون مستحبًا، المهم: أنه من الشريعة، ووجوبه واستحبابه يؤخذ من دليل آخر، إذن هذا الحديث له حكم الرفع؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت:"من السُّنة ألاَّ يعود مريضًا"، مع أن عيادة المريض من أفضل الأعمال، وهي فرض كفاية على القول الراجح، وإذا كانت فرض كفاية وسنة موكدة وسنة إذا قام بها من يكفي فإنه لا يخرج المعتكف لها لأنها تنافي الاعتكاف {وأنتم عاكفون في المسجد}[البقرة: ١٨٧]. فـ {عاكفون}، أي: ملازمون لها دائمون فيها، فإذا أراد المعتكف كلما ذكر له مريض ذهب وعاده وكلما جاءت جنازة خرج معها، فأين الاعتكاف؟ ! لكن ما كانت هذه من الأمور المشروعة التي لا تنافي الاعتكاف منافاة تامة أجاز العلماء فعلها بالشرط، وقالوا: إذا اشترط أن يعود المريض فلا بأس، ولكن هل نقول: إنه يعود كل مريض، أو ينبغي أن يقال له: لا تشترط إلا مريضًا له عليك حق كقريب وصديق وزوجة وما أشبه ذلك؟ أما أن تعود كل مريض فإنك ربما تستوعب كل الوقت، لكنَّ مريضًا معينًا له حق عليك لك أن تزوره؛ لأن هذا طيب، لكن أن تشترط عيادته؛ لأنه ربما يصل هذا المريض إلى حال قد يخشى أن يموت قبل أن ينتهي الاعتكاف، وربما يكون المريض من الناس الذين لا يعذرون ويريدون أن يوفي لهم حقهم كاملًا.
الجنازة أيضًا مثلها:"ولا يشهد جنازة"، شهود الجنازة فرض أم سنة؟ فرض كفاية؛ لأنه لا بد من تشييع الجنازة، "ولا يمس امرأة" المراد بمس المرأة هنا لشهوة، أما مجرد المس فقد سبق أن عائشة ترجَّل شعر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بأس أن يأخذ بيد امرأته إذا دخلت عليه معتكفه لتسلم عليه ويمسها لكن لا يمس لشهوة؛ لأنه إن كان جماعًا فهو مفسد للاعتكاف، وإن كان دونه فهو ذريعة للإفساد.
قالت:"ولا يباشرها"، إذن نقول: ولا تباشر المرأة فهي جمعت بين المس والمباشرة وحينئذ نحمل المس على الجماع لقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن}[البقرة: ٢٣٧]. ونحمل المباشرة على ما دونه.
قالت:"ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد له منه"؛ يعني: لا مفر منه، هذا يخرج مثل البول والغائط والأكل والشرب إذا لم يجد من يأتي بهما إليه الوضوء إذا لم يكن في المسجد ماء وكذلك الغسل، لو أنه دخل معتكفه في دفء ثم نشط البراد واحتاج إلى ثياب أو إلى لحاف وليس عنده من يأتي له بذلك فيخرج؛ لأن هذا لا بد منه.
قالت:"ولا اعتكاف إلا بصوم"، "لا" نافية للجنس، و"اعتكاف" اسمها، وخبرها محذوف، و"يصوم" بدل منه، أي: من الخبر، يعني: ولا اعتكاف كائن إلا بصوم أو متعلق بالخبر، هذا