للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الحكم، المسجد الحرام هل الصلاة خاصة بالمسجل الذي هو مكان الكعبة، يعني: المسجد الذي فيه الكعبة، أو عام في جميع الحرم؟ هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فقال الكعبة كلاهما صلاته بمائة ألف صلاة، قالوا: لأن هذا يسمى المسجد الحرام لقول الله تعالى: {سبحن الذي أسرى بعيده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا} [الإسراء: ١]. وقد أسري به من بيت أم هانئ، ولقوله تعالى: {هم الَّذين كفروا وصدُّوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفًا أن يبلغ محلَّه} [الفتح: ٢٥]. ولقوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة: ٢٨]. والمشرك لا يدخل الأميال - حدود الحرم -، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقيمًا في الحديبية، والحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم، وكان مقيمًا في الحل لكنه يدخل فيصلي في الحرم، يعني: داخل الأميال، وكونه يتكلف الدخول بأصحابه وهم ألف وأربعمائة نفر ليصلي داخل الأميال يدل على أن هذا التضعيف عامٌّ يعم جميع الحرم، وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم، ولكن ظاهر كلام علماء الحنابلة وهو أن التضعيف خاصُّ بالمسجل نفسه الذي فيه الكعبة، واستدلوا لذلك بأن الحرم لا يسمى مسجدًا بل يسمى مكة ويسمَّى حرمًا كما قال الله تعالى: {وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [الفتح: ٢٤]. لم يقل: ببطن المسجد، وقال تعالى: {إنَّ أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركًا} [آل عمران: ٩٦].

ولو أن مكة تسمي مسجدًا لكان المعنى: إن أول بيت وضع للناس للذي بالمسجد، ولأن الرسول يقول: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام"، ومعلوم أن الإنسان لو شد الرحل إلى مسجد الشِّعب في مكة أو مسجد آخر غير الذي فيه الكعبة لقلنا: لا يجوز؛ لأنه لو جاز شد الرحل إلى مساجد مكة غير المسجد الحرام لكان شد الرحل إلى مائة مسجد - كل مساجد مكة -.

قالوا: الدليل الثالث قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: ٢٨]. وعرفتم قبل قليل: أن هذه الآية استدل بها من قالوا بالعموم، ولكن الحقيقة أنها عند التأمل تدل على خلاف العموم، لماذا؟ لأن الله قال: {فلا يقربوا المسجد الحرام}، ولم يقل: فلا يدخلوا المسجد الحرام، والآن يجوز للمشركين أن نمكنهم من أن يقفوا على حد الحرم تمامًا، لو كان المراد بالمسجد الحرام كل الحرم ما جاز أن نمكنهم من قربان حدوده؛ لأن الله يقول: {فلا يقربوا المسجد}، فإذا منعناهم من دخول الأميال حينئذٍ منعناهم من قربان المسجد الذي في جوف مكة الذي فيه الكعبة، لو كان التعبير:

<<  <  ج: ص:  >  >>