وجب الكف، أما خضوع المرأة بالقول ولينها بالقول فهذا محرم، لا لأنه قول ولكن لأنه خضوع؛ ولهذا قال الله تعالى:{فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضً وقلن فولاً معروفًا}[الأحزاب: ٣٢]، لم يقل: لا تتكلمن.
وفيه أيضًا: أن الصغير لا يجب عليه الحج، لأنها قالت:"ألهذا حج؟ " ولم تقل: أعلى هذا؟ وبينهما فرق؛ لأن "ألهذا حج؟ " يعني: أنه يقبل منه ويصح أعليه؟ أفرض عليه حج؟
وفيه أيضًا دليل: على الاكتفاء بـ "نعم" في الجواب؛ لقوله:"نعم"، وهل يشابهها ما كان. بمعناها كما لو قال: إي؟ أو قال: أيوه - هذه حجازية -، على كل حال: ما كان بمعناها فهو مثلها؛ لأننا لا نتعبد بهذه الألفاظ هذه ألفاظ وضعت أدوات دالة على المعنى، فبأي وصف حصل المعنى حصل المقصود، لو أنه قيل لرجل: أطلقت امرأتك؟ قال:"نعم"، هل تطلق؟ نعم، أعتقت عبدك؟ قال:"نعم"، يعتق وقفت مالك أو يتك؟ قال:"نعم"، يكون وقفًا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الصبي إذا أحرم بالحج لزمه ما يلزم البالغ من أحكام الحج، وجه الدلالة: أنه إذا أثبت له الحج ثبت للحج محظوراته وأحكامه، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أثبت الحج معناه: أن أحكام الحج تترتب على هذا الحج، ولكن هل يلزمه المضي فيه؟ في هذا للعلماء قولان: قول أبي حنيفة أنه لا يلزمه المعنى فيه؛ لماذا؟ قال: لأنه غير مكلف وليس من أهل الوجوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"رفع القلم عن ثلاثة"(). وبناء على هذا فإذا أحرم الصبي الذي لم يبلغ ثم تعب من الإحرام وخلع إحرامه وانفسخ من حجه يجوز على هذا الرأي؛ لأنه ليس من أهل الوجوب.
وقال أكثر أهل العلم: يلزمه إتمام الحج؛ لأن نفل الحج يجب إتمامه على البالغ، فهذا الصبي الحج في حقه نفل فيجب عليه إتمامه، لا شك أن هذا قياس له وجه من النظر، لكن قول أبي حنيفة أقوى من هذا القياس، لماذا؟ لأننا نقول: هذا الصبي ليس من أهل الوجوب حتى نلزمه، لكن الرجل الذي تلبس بالتطوع من الحج أو العمرة من أهل الوجوب وتلبسه بذلك كنذره إياهما، ولهذا قال الله تعالى:{ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}[الحج: ٢٩].
وشبيه بهذه المسألة من بعض الوجوه: الصبى إذا قتل خطا هل تلزمه الكفارة أو لا تلزمه؟ المشهور من المذهب: أنها تلزمه، قالوا: لأن القتل - أو لأن وجوب الكفارة في القتل - لا يشترط فيه القصد؛ ولذلك لو وقع القتل من نائم بأن تنقلب المرأة على ابنها مثلًا لزمتها الكفارة، ولو