للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديث هذا سببه: أن عروة رضي الله عنه كان من أهل الشمال من حائل من جبل طيئ فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله عن صلاة الفجر في مزدلفة، وقال: يا رسول الله، أتعبت نفسي وراحلتي وما تركت جبلًا إلا وقفت عنده، فهل لي من حج؟ فقال له هذا الكلام.

وفيه: دليل على أن من لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر لكنه في وقت صلاة الفجر التي صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا شيء عليه؛ لأن الرسول قال: "فقد تم حجة وقضى تفثه".

وفي قوله: "وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا"، استدل الحنابلة -رحمهم الله- على أن من وقف بعرفة قبل الزوال تم حجه وإن لم يبق حتى الزوال؛ أخذا بعموم قوله: "ليلا أو نهارًا"؛ يعني: حتى لو انصرف قبل الزوال فقد صحّ حجه، لكن عليه دم، لكن جمهور أهل العلم على خلاف ذلك، وقالوا: إن قوله: "أو نهارًا" يعني به: وقت الوقوف، ووقت الوقوف لم يكن إلا بعد الزوال، وينبني على ذلك رجل جاء في الضحى إلى عرفة ووقف بها ثم صار له عذر فذهب من عرفة قبل أن تزول الشمس إما لمرض أو ضياع شيء، المهم: لو خرج من عرفة قبل زوال الشمس ثم عاد إلى مزدلفة بعد الغروب وبات بها فعلى مذهب الحنابلة حجّه صحيح، لكن عليه دم لترك الواجب، وعلى رأس الجمهور حجه ليس بصحيح وقد فاته الحج؛ لأنهم يرون أن وقت الوقوف يكون من بعد الزوال، وقول الجمهور له وجه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف إلا بعد الزوال، وقال: "خذوا عني مناسككم"، والجواب عن حديث عروة: أن النهار قد يراد به بعضه، فيحمل على النهار الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما بعد الزوال.

٧٢٥ - وعن عمر رضي الله عنه قال: "إن المشركين كانوا لا يفيضون حتَّى تطلع الشَّمس، ويقولون: أشرق ثبير، وأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم خالفهم، فأفاض قبل أن تطلع الشَّمس". رواه البخاريُّ.

لا يفيضون من مزدلفة حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير، وثبير جبل مرتفع يبين فيه طلوع الشمس قبل غيره، ويقولون: "أشرق ثبير" كيف يوجهون الأمر إلى الجبل؟ هذا من باب التمني إذا وجه الأمر إلى الجماد فهو من باب التمني وليس أمرًا، ولكنه يتمنى ذلك، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>