بالكمأة وخرج إلى البحر فاصطاد سمكًا هذا كله عمله بيده فهو أفضل ما يكون؛ لأنه عمل ليس فيه شبهة إطلاقًا؛ لأنه أخذه مما أخرجه الله عز وجل من الأرض، وهل يدخل في ذلك الصنائع؟ نعم، قد نقول: إنه يدخل فيها الصنائع وإن كان في النفس منها شيء في دخولها في الحديث؛ لأن الصنائع كالبيع والشراء يكون فيها غش ويكون فيها نسيان ويكون فيها غلط، فيكون دخولها حينئذ فيه شيء من الشبهة لكن ممكن أن ندخلها بالدفع على شرط أن يكون هذا الصانع العامل ناصحًا في صنعته تمامًا، وإلا فما أكثر الذين يصنعون ثم تكون صنعتهم من أردأ الصناعات، ويدخل عندهم الغش أكثر مما يدخل في البيع والشراء، يوجد جماعة بنوا جدارًا لشخص فقالوا: من يذهب إلى صاحب الجدار يأتي بالأجرة؟ فقال بعضهم: من يمسك الجدار حتى لا يسقط وحتى نأخذ الأجرة؟ الجدار الآن غير جيد في بنائه يستمسك فقط، يأخذون الأجرة ويذهبون.
على كل حال: الصنائع في الحقيقة قد تدخل في الحديث وقد لا تدخل، فتدخل الحراثة والزراعة في الحديث؛ لأن الغالب أن الحارث يخلص لنفسه مثل ما يختار الحطب الجيد لبيعه بأكثر، هذا يخلص حرث الأرض والزرع الطيب والسقي فهو عمله بيده، ولهذا قال بعض الفقهاء: الزارعة أفضل مكتسب، وفي الزراعة أيضًا صلة أخرى وهي: ما ينتفع بهذا الزرع من مخلوقات الله، الحشرات تنتفع، والنمل، والذر، والكلاب، والطيور، وكل شيء ينتفع مما يمكن أن يفع بهذا الزرع ففيه أيضًا مصلحة.
الثاني قال:"وكل بيع مبرور"، ما هو البيع المبرور؟ البيع المبرور بينته السُّنة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما"، فالبيع المبرور هو: ما كان مبنيّاً على الصدق والبيان، الصدق: في الوصف، والبيان: في العيب؛ يعني مثلًا: لا يقول لك: هذا طيب وهو رديء، ولا يكون هذا الشيء معيبًا ثم يكتمه بل يبين:"إن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما"، فهذا هو البيع المبرور المبني على الصدق والبيان، نزيد شيئًا ثالثًا: ووافق الشرع، فإن خالف الشرع فهو وإن كان مبنيّاً على الصدق والبيان فليس بمرور، لو باع لشخص ما يحرم بيعه وصدقه في وصفه وفي عيبه لا نقول: هذا بيع مبرور.
إذن ما وافق الشرع واشتمل على الصدق والبيان فهو البيع المبرور، وعكس ذلك ما خالف الشرع كبيع المحرمات كالملاهي وغيرها أو ما كان مبنيّاً على الكذب كأن يقول: هذه