الإنسان فيتكسب من سبعيتها وعدوانها، الخنزير هذا إذا صح انه لا غيرة له ففيه إفساد الفطرة والأخلاق فيكون الحكمة من تحريم هذه الأشياء: حماية العقول والأبدان والأديان والفطرة، والدين الإسلامي جاء بحماية هذه الأشياء، ولو شئنا لقلنا: من مجموع هذه الأشياء يكون في ذلك حماية الأموال، كيف ذلك؟ لأن بذل الأموال في مثل هذه الأشياء بذلك ما لا فائدة فيه، بل بما فيه مضرة فيكن إضاعة للمال، إذن للعقول والأديان والأبدان والفطرة والأموال خمسة، حماية لهذه الخمسة حرم الله عز وجل بيع هذه الأشياء وإن كان فيها مكسب، كما قال الله تعالى في الخمر:{يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيما إثم كبير ومنافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما}[البقرة: ٢١٩]. والله عز وجل لا يمنع عباده الشيء إلا لأن ضرره أكثر، وذلك لأن العطاء أحب إليه من المنع ورحمته سبقت غضبه.
قوله:"فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن؟ " أولًا: قولهم: "قيل: يا رسول الله"، القائل مبهم ولا يعنينا أن نعرف عين القائل، لأن المهم هو الحكم، أما عين الشخص فالغالب ألَّا نحتاج إليه، فلهذا دائمًا تأتي مثل هذه الصيغة فقيل: يا رسول الله؛ لأنه لا يهتم بالقائل أهم شيء معرفة القضية والحكم، وقولهم:"يا رسول الله" هذا النداء الذي أرشدهم الله إليه في قوله: {لّا تجعلوا دعاء الرسول ... }[النور: ٦٣]. يعني: لا تقولوا: يا محمد، بل صفوه بما كلَّفه الله به وبما يختص به من الوصف وهو "رسول الله"، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكنى أحد بكنيته لئلا يشاركه أحد عند المناداة فيقال مثلًا: يا أبا القاسم، فيظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا خص كثير من أهل العلم النهي بالتكني بكنيته بما كان في حياته فقط لئلا يشاركه أحد، فإذا نودي بين الناس: يا أبا القاسم يظن من لا يعرفه أن هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم، إذن هذا من أدب الصحابة ولا أحد يناديه باسمه إلّا من كان جاهلًا كأعرابي يأتي إلى المدينة يقول: يا محمد.
يقول:"أرأيت شحوم الميت؟ " هذا التركيب يوجد كثيرًا في القرآن، ومعناه على سبيل الإجمال: أخبرني؛ لأن التقدير: أرأيت كذا وكذا، فأرني ما رأيت، أي: أخبرني، أما من حيث الإعراب فنقول: إن "رأى" هنا علمية، و"شحوم" مفعولها الأول، ومفعولها الثاني محذوف ويكون غالبًا جملة استفهامية، هنا نقول:"شحومها" مفعولها الأول، ومفعولها الثاني محذوف:"قال: أيحل"، ثم ماذا نقدر الفاعل؟ قال بعض العلماء: التقدير أن نقول: أيحل هذا فيها؟ يعني: أن تطلى بها السفن ويستصبح بها الناس وتدهن بها الجلود، أو يكون التقدير أحيل بيعها؟ فقد اختلف العلماء - رحمهم الله - ماذا يقدر الفاعل؟ أو البيع أو هذه المنافع؟ الصحيح: أنه البيع؛ لأن السياق في البيع وهي أن هذه الأشياء التي تعلوها ما تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقال: