للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثمن ما وقع عليه العقد، والقيمة ما يقوم به الشيء في عامة أوصاف الناس مثال ذلك: اشتريت منك هذا الكتاب بعشرة، يسمى هذا ثمنًا، لو رجعنا إلى الكتاب في السوق وجدناه يساوي ثمن القيمة تمامًا، لو رجعنا إليه فوجدناه باثني عشر فتكون القيمة اثني عشر، فما كانت قيمته في عامة الناس يسمى قيمة، وما يقع عليه العقد يسمى ثمنًا.

إذن "نهى عن ثمن الكلب"، أي: عن عقد البيع عليه المتضمن للثمن، ونحن قلنا هذا لفائدة نذكرها -إن شاء الله تعالى- في الفوائد، وهي ما إذا أتلف الكلب هل يضمن بقيمة أو لا.

وقوله: "الكلب" هو حيوان معروف سبع يفترس، وهو أخبث الحيوانات وأنجسها؛ لأن نجاسته لا بد فيها من سبع غسلات إحداها بالتراب، والخنزير كغيرة من الحيوانات الأخرى يغسل حتى تزول النجاسة بدون تسبيع وبدون تراب، وقوله: "الكلب"، "أل" هنا للعموم فيشمل كلَّ كلب سواء كان أسود أم غير أسود معلَّمًا أم غير معلم، يجوز اقتناؤه أو لا يجوز اقتناؤه؛ لأن الحديث عام: "ثمن الكلب" عام لكل كلب.

قال: "ومهر البغي" البغي: فعيل بمعنى فاعل، والمراد بها: الزانية، وحذفت منها التاء؛ لأن الوصف خاص بها كما حذفت التاء من المرضع والحامل التي في بطنها الولد بخلاف الحاملة التي تحمل على رأسها شيئًا، ولهذا يفرق بين قول القائل: امرأتي حاملة وامرأتي حامل، إذا قال: امرأتي حامل، أي: في بطنها ولد معروف، أمَّا إذا قال: امرأتي حاملة فيقول القائل: ماذا تحمل؟

إذن البغي نقول: هي المرأة الزانية، وحذفت التاء لاختصاص الوصف بها، والبغاء: الزنا، قال الله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} [النور: ٣٣]. بمعنى: البغي، المراد بذلك: أجرة الزنا، وسمي مهرًا؛ لأنه يعطي الزانية عوضًا عن الاستمتاع بها، فأشبه المهر الذي يبذله الإنسان في النكاح الصحيح.

قال: "وحلوان الكاهن" يعني: عطيته، وهو: ما يعطاه الكاهن على كهانته، وسمي حلوانًا، مأخوذ من الحلو؛ لأنه يكسبه بدون تعب وبدون مشقة فهو حلوٌ في اكتسابه، والكاهن: من يتعاطى الكهانة، وهو الذي يخبر عن المغيبات هذا هو الكاهن، مثل أن يقول للشخص: سيأتيك ولد، ستربح اليوم كذا وكذا، سيحدث بعد أيام كذا وكذا، وما أشبه ذلك من علوم الغيب، وكان الكهان معروفين في الجاهلية يتحاكم الناس إليهم؛ لأنهم يأتون بعلوم غيبية يطابقها الواقع، فإن كل واحد منهم له رئيٌ من الجن يصعد إلى السماء ويستمع أخبار السماء ثم ينزل بها إلى صاحبه في الأرض فيأخذ منها ما يأخذ ويضيف إليها ما يضيف ويحدث الناس، فإذا صدق في كلمة من عشر كلمات عظموه وجعلوه حكمًا بينهم. والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالصدق مائة في المائة ومع ذلك نبذوه وكذبوه، وهؤلاء الكهان الذين تنزل إليهم الشياطين

<<  <  ج: ص:  >  >>