مقابل الحرام لا مقابل المكروه، قال الله تعالى:{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام}[النحل: ١١٦]، فإذا نفى الضد ثبت ضده، فنقول: ظاهر الحديث أن نفي الحل هنا يعني التحريم.
وقوله:"سلف وبيع"، السلف: التقديم ومنه الحديث في زيارة القبور: "أنتم سلفنا ونحن في الأثر"، ومنه حديث ابن عباس:"قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يسلفون في الثمار" أي: يقدمون القيمة على الثمن الذي يأتي في السنة المقبلة، فالسلف: الشيء المقدم، ويحتمل أن يكون السلف اسم مصدر بمعنى: تسليف، لكن المراد به التقديم، "بيع" البيع المعروف هو تبادل الشيئين على وجه التأبيد، والواو هنا في قوله:"وبيع" للجمع لا للتفريد، لأن السلف وحده حلال، والبيع وحده حلال لقوله تعالى:{وأحل الله البيع}[البقرة: ٢٧٥] لكن المراد: الجمع بين السلف والبيع.
فما هذه الصورة التي فيها السلف والبيع؟ قال بعض العلماء: السلف والبيع أن يقول: أسلفتك مائة درهم بمائة صاع من البُرّ إلى سنة على أن تبيعني بيتك، فهنا جمع بين السلف الذي هو السلم وبين البيع، وهذا عائد إلى تفسير البيعتين في بيعة، وهو أن يشترط عقد في عقد، فعلى هذا يفسر السلف والبيع بما فسر به بيعتان في بيعة، وقيل: معنى السلف هنا: القرض، يعني: لا يحل لإنسان أن يجمع بين قرض وبيع، مثل أن يقول: أبيعك داري بألف على أن تقرضني ألفًا قالوا: هذا لا يحل، لماذا؟ لأن الغالب أن هذا الشرط يكون فيه مصلحة للمقرض وكل قرض جر نفعًا فهو ربًا، فأنت إذا قلت: أبيعك هذا البيت على أن تقرضني كذا، فإن هذا المشتري سوف ينتفع في الغالب، أو يقول مثلًا: لا أشتري هذا، أو يقول: أشتري منك هذا على أن تسلفني، يأتي إنسان يعرض عليك سلعة فتقول: أشتريها منك بشرط أن تقرضني كذا وكذا، فهنا انتفع المقرض، لأن هذه السلعة التي عرضها علي ربما لا تساوي مائة وأشتريها بمائة وعشرين من أجل القرض، وحينئذ يكون قد أقرضني بفائدة، ومعلوم أن القرض إذا جر منفعة فهو ربًا، لأن الأصل في القرض أنه من باب الإرفاق والإحسان، فإذا انضم إليه شيء من العوض صار ربًا، وصار ليس قصده الإرفاق والإحسان، هذه ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن المراد بالسلف هنا السلم، يعني: أن يسلم إليه دراهم بسلعة مؤجلة ويشترط عليه بيعًا مع هذا العقد، وعلى هذا التفسير يكون كقوله:"نهى عن بيعتين في بيعة" على أحد التفاسير السابقة، لكن هذا في الحقيقة ليس بصحيح، لأن الجمع بين عقدين على وجه ليس فيه محظور شرعي لا بأس به.