يعيش في الماء كما هو معلوم، فإذا قلت: أبيع عليك ما في هذا الجانب من النهر من السمك، فإنه لا يجوز، وعلل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه غرر، والغرر جهالة، والعقود التي تتضمن الجهالة لابد أن يكون فيها نزاع بين المتعاقدين يؤدي إلى العداوة والبغضاء والحقد، والدين الإسلامي جاء بمحاربة ما يؤدي إلى ذلك، ولكن العلة أو التعليل الذي في هذا الأثر:"فإنه غرر" يقتضي أنه متى كان غير غرر فلا بأس به، مثل أن يكون السمك في مكان يحيط به العلم بأن يكون في مكان ضيق، والماء صاف والسمك يرى، ويمكن السيطرة عليه بحيث لا يخرج إلى النهر أو إلى البحر الواسع، فإذا بيع هذا السمك فإنه لا بأس به كما لو كان في بركة محجوزة بجوانبها وهو يرى لكون الماء صافيًا فإن ذلك لا بأس به، لماذا؟ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا كانت العلة هي الغرر وانتفي الغرر فإن البيع يصح، وهذا كالذي سبق كله مداره على الجهالة والغرر، وكل عقد يكون فيه جهالة وغرر مما يؤدي إلى النزاع فإن ذلك لا يجوز، قولنا: إن الجهالة والغرر يؤدي إلى النزاع والنزاع يؤدي إلى العداوة والبغضاء، أرأيتم لو كان العقد لا يؤدي إلى النزاع والعداوة والبغضاء مثل الهبة كما لو وهب الإنسان عبدًا آبقًا فهل يصح؟ الجواب الصحيح: أنه يصح، وأن هبة المجهول جائزة؛ لأن الموهوب له إما غانم وإما سالم، بخلاف عقود المعاوضات، فإن الجهالة فيها تقتضي أن يكون فيها إما غانمًا وإما غارمًا وبينهما فرق عظيم.
هبة العبد وهو آبق قلنا: إنها جائزة وصحيحة؛ لأن الموهوب له إن أدركه فهو غانم وإن لم يدركه فهو سالم، هبة الغنيمة قبل القسمة كذلك، هبة السمك في الماء ولو كان مجهولاً فهي صحيحة وذلك للقاعدة التي ذكرنا وهي أن العقد هنا دائر بين الغنم والسلامة فقط لا بين الغنم والغرم، وإذا كان دائرًا بين الغنم والسلامة، فإنه لن يحصل فيه نزاع؛ لأن الموهوب له مثلاً لو وهب له عبد وهو آبق وعجز عن تحصيله هل يأتي إلى الواهب يخاصمه ويطالبه؟ لو أتاه قيل له: ليس لك حق.
٧٨٩ - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم، ولا يباع صوف على ظهر، ولا لبن في ضرع". رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني.
"تطعم" يعني: حتى تكون صالحة للطعام، ويشمل هذا ثمر النخل وثمر العنب ثمر الرمان البرتقال، فلا يجوز بيعه حتى يكون صالحًا للطعام؛ لأن بيعه قبل ذلك يؤدي إلى الغرر من