الطلب من البائع يندم على البيع فيأتي للمشتري فيقول: أقلني، والحديث يشمل هذا وهذا، فـ"من أقال مسلمًا بيعته" يعني: البيعة التي وقعت بينه وبينه، "أقال الله عثرته"، عثرته في أمور الدنيا أو عثرته في أمور الدنيا والآخرة؟ نقول: يشمل الأمرين جميعًا، وفضل الله واسع، وإقالة العثرة لاشك أنها أمر مطلوب لكل واحد؛ إذ أنه لا يخلو واحد منا من العثرات، فإذا أقال الله عثراتنا فهذا فضل عظيم ينبغي للإنسان ألا يفرَّط فيه، والمسألة سهلة جدًا.
وقوله:"من أقال مسلمًا" هل مثل ذلك لو أقال ذميًّا؟ الجواب: نعم، ويكون ذكر المسلم بناء على الغالب، ويؤيد ذلك أن في بعض الألفاظ:"من أقال نادمًا بيعته" فيشمل المسلم وغير المسلم.
ففي هذا الحديث عدة فوائد: أولاً: جواز الإقالة وهو كذلك، فالإقالة جائزة، بل نقول: في الحديث دليل على أن الإقالة مطلوبة مستحبة، ووجه الدلالة: أن الشارع رتب عليها ثوابًا، وهذا ترغيب من الشارع لفعلها، والترغيب إذا علَّق على حكم دلّ ذلك على أن هذا الحكم مطلوب شرعًا إما أن يكون واجبًا، وإما أن يكون مستحبًا حسب ما تقتضيه الأدلة.
ولكن هل الإقالة عقد جديد أو فسخ لعقد مضى؟ الجواب: الثاني أنها فسخ لعقد مضى؛ ولهذا تجوز قبل قبض المبيع ولو كان من الكيل أو الموزون الذي يحتاج إلى حق توفية، وتجوز بعد نداء الجمعة الثاني، وتجوز أيضًا بعد إقامة الصلاة إذا لم تمنع عن الصلاة؛ لماذا؟ لأنها ليست بيعًا.
هل تجوز في المسجد؟ نعم تجوز، لأنها ليست بيعًا، ولكن هل يشترط أن تكون بمثل الثمن أو لا بأس أن يزيد الثمن أو ينقص؟ في هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنها لا تجوز إلا بمثل الثمن، فإن أسقط أو زاد لم تصح، قالوا: لأنه إذا أسقط أو زاد فقد لاحظ في إقالته المعاوضة، وإذا لاحظ المعاوضة لم تكن إقالة، ولكن الصحيح الجواز ومحظور الربا فيها بعيد، فمثلاً إذا بعت عليك سيارة بعشرين ثم جئت إليّ وقلت: أقلني أنا الآن لا أريد السيارة، فقلت: لا أقيلك إلا إذا أعطيتني ألفين من الثمن، فقال: أعطيك، فمن قال: إنها لا تجوز إلا بمثل الثمن، قال: إن هذه الإقالة لا تصح، ومن قال بالجواز- وهو الصحيح- قال: إن هذه الإقالة صحيحة، وكذلك بالعكس لو أن البائع هو الذي طلب الإقالة فقال المشتري: أنا لا أقيلك إلا إذا أعطيتني ألفين، فالصواب: أنه جائز ولا بأس به، وذلك لأن الإقالة قد يكون فيها ضرر على المقيل وربما يكون باع هذه السيارة بعشرين ألفًا، ولكنها وقت الإقالة وصلت إلى عشرين ألفًا، فإذا ردَّها عليَّ فإنها قد لا تبلغ عشرين ألفًا، أو لأن الذين يزيدون فيها قد تفرقوا، والثاني أن الناس قد يقولون: لماذا ردها لولا أن فيها عيبًا ما ردها فتنقص القيمة، لهذا نقول: الصحيح جواز الإقالة بمثل الثمن أو فوقه أو دونه.