للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز أن أبيع صاعاً طبياً بصاعين طيبين، زلا يمكن أن أبيع صاعاً طيباً بصاع طيب من جنس واحد؛ لأن هذا عبث، لكن المراد بقوله: "مثلاً بمثل" في المقدار، وقد سبق لنا الاستشهاد بمجيء المثل بمعنى المقدار في قوله تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: ١٢].

قال: "وكان طعامنا يومئذ الشعير"، في النسخة التي عندي هكذا بالنصب على أن طعام خبر مقدم، والتقدير: وكان الشعير طعامنا يومئذٍ، وفائدة تقديم الخبر: الحصر، يعني: كأنه يقول: ليس لنا طعام إلا الشعير، ويجوز أن يقال: "وكان طعامنا يومئذ الشعير"، يعني: الإخبار عن طعامهم بأنه الشعير لا عن الشعير بأنه طعامهم، لكن صح في البخاري من حديث أبي سعيد الخدري -في زكاة الفطر- قال: "كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، وكان طعامنا الشعير والتمر والزبيب والأقط"، والجمع بينهما إما أن يقال باختلاف الأحوال، فأحياناً لا يوجد في الغالب إلا الشعير، وقد توجد الأصناف الأربعة، وإما أن يقال بأن الأصناف كلها موجودة ولكن أكثرها الشعير وهذا هو الأقرب.

على كل حال: هذا الحديث يدل على أن بيع الشعير بالشعير لابد أن يكون متماثلاً ولكن قوله: "الطعام بالطعام" قد يقال: إن في ذلك إشارة إلى علة الربا وهي: الطعم، ولكن لا شك- على هذا التقدير- أنه لا يراد به كل مطعوم، إذ لو أريد به كل مطعوم لدخل حتى الماء؛ لأن الماء عند الإطلاق يدخل في الطعام كما قال تعالى: {فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده {[البقرة: ٢٤٩]. ولكن المراد بالطعام: ما يطعم على أنه قوت، فإن الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يأكلون الشعير على أنه قوت؛ يعني: الذي هو مدد غذائهم، وعلى هذا فيكون في هذا الحديث إشارة إلى القول الراجح في هذه المسألة، وهو أن علة الربا في الأصناف الأربعة التي في حديث عبادة بن الصامت هو الطعم، لكن يضاف إلى ذلك الكيل؛ لأن كل الأحاديث الواردة كذلك تقدر هذا بالكيل، وعلى هذا فالطعام المكيل الذي يطعم ويقتاته الناس هو الذي يجري فيه الربا، وأما الطعام الذي لا يكال أو ما ليس بكيل فإنه لا يجري فيه الربا، مثل: الفاكهة على اختلاف أنواعها والخضروات والسدر والإشنان والحناء وما أشبهها.

في هذا الحديث من الفوائد: أولاً: أن بيع الطعام بالطعام لابد أن يكون متماثلا لقوله: "مثلاً بمثل".

ثانياً: بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من شغف العيش، وأن طعامهم الشعير الذي في عصرنا هذا لا يمكن أن يكون طعاماً للآدمي، وفي هذا دليل على أن إمداد الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>